بعدها أو من رجعة إلى الدّنيا ولو مقدار رجوع اللّبن إلى الضّرع وهو الفواق.
١٦ ـ (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا ...) إلخ. أي قدّم لنا نصيبنا من العذاب في الدّنيا قبل يوم القيامة قالوه استهزاء بتخويف النبي (ص) لهم من عذاب الله.
١٧ ـ (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ...) أي اصبر يا محمد على التكذيب والاستخفاف بما جئتهم به (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) أي يا محمد بيّن لقومك قصّة عبدنا داود (ذَا الْأَيْدِ) أي صاحب القوّة على العبادة والاقتدار والنّعم الكثيرة ، (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي توّاب إلى مرضاة الله أو دعّاء له تعالى.
١٨ ـ (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ ...) أي صيّرناها مأمورة بأمره فتسايره حيث سار (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) أي حين تغيب الشمس وحين تطلع وتسبيح الجبال يمكن أن يكون باعتبار أنه سبحانه قد خلق فيها التسبيح وما ذلك على الله بعزيز.
١٩ ـ (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ...) أي وسخّرنا له الطير مجموعة إليه تسبّح الله تعالى بتسبيحه. (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أي كل الطير والجبال كانت رجّاعة إلى طاعته والتسبيح معه.
٢٠ ـ (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ ...) أي قوّينا وأحكمنا سلطانه بالجنود والهيبة والأموال. (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي النبوّة والإصابة في الأمور (وَفَصْلَ الْخِطابِ) أي العلم بالقضاء والفهم.
٢١ ـ (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ...) أي هل بلغك خبر المتخاصمين يا محمد فإن جبرائيل وميكائيل أتيا داود على صورة خصمين ومع كلّ واحد كان جمع من الملائكة (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) أي صعدوا سور الغرفة التي كان يتعبد فيها لا من بابها المتعارف.
٢٢ ـ (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ ...) أي اذكر إذ نزلوا عليه من فوق الغرفة في يوم احتجابه (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) أي خاف منهم خوفا شديدا لأنه زعم أنهم أرادوا قتله ، ولأنهم دخلوا بلا إذن (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) أي نحن فريقان متخاصمان جئنا لتقضي بيننا (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) أي لا تجر في الحكومة ولا تجاوز الحق. (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) أي وسطه ، والمراد طريق العدل.
٢٣ ـ (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ...) النعجة هي الأنثى من الضّأن ، وقد يكنّى بها عن المرأة ، والحاصل أنّ المدعي بيّن ادّعاءه هذا وأشار إلى خصمه وأطلق عليه لفظ (أَخِي) بلحاظ الدّين أو الصداقة ، وبين له أنه شاركه في الخلطة وله تسع وتسعون نعجة (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) أي لا أملك إلا هذه النّعجة المفردة (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أي اجعلها في كفالتي وتحت تصرّفي (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبني وأعجزني في القول.
٢٤ ـ (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ...) أي : إن كان الأمر على ما تدّعيه ، فقد ظلمك بضمّ نعجتك إلى نعاجه وكأنه (ع) حكم قبل أن يسمع كلام المدعى عليه. (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) أي الشركاء الذين يخلطون أموالهم (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي يظلمون ويطلبون زائدا على حقّهم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فإنهم لا يظلم بعضهم بعضا وهم الأقلية (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي علم أننا اختبرناه بهذه الحكومة والحكم بين المتخاصمين قبل أن يسأل المدّعي البيّنة وقبل أن يسمع الكلام من خصمه وقيل انه من الظن المتعارف. (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) أي وقع ساجدا طالبا من الله الستر عليه ورجع إلى الله بالتوبة.
٢٥ ـ (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ ...) إشارة إلى ترك المندوب والأولى ، فعدّ ترك الأولى ذنبا (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) أي إنّ لداود عندنا لمرتبة القرب والكرامة وحسن المرجع في الجنّة.
٢٦ ـ (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ...) أي لإقامة أمر الدّين وتدبير أمر الناس ، أو جعلناك خلف من مضى من الأنبياء في الدّعاء إلى توحيد الله وبيان شريعته (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) أي ضع الأشياء في مواضعها كما أمرناك (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) لا تحكم خلاف حكم الله طبقا لمزاجك. (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي إذا اتبعت مزاجك عدل بك عن الحق الذي هو طريق الله. (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ) إلخ. أي ينحرفون عن طريق الحق (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) أي بسبب نسيانهم إيّاه.