٤ ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ ...) أي إن نسبك يا محمد أهل مكة إلى الكذب (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) من قبل أممهم فتأسّ بهم في الصّبر على تكذيبهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازيك على الصبر ويجازيهم على التكذيب.
٥ و ٦ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ...) أي وعده بما أرسل رسله به من البعث وما يتلوه ، فهو صدق كائن حتما (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فلا تغشّنكم فيلهيكم التمتّع بها عن السعي في طلب الآخرة (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي لا يخدعنّكم عن طاعة الله وكرمه ومغفرته الشيطان الخدّاع (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة قديمة وهو يدعوكم إلى ما فيه الهلاك والخسران (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي فعادوه ولا تطيعوه واحذروه في جميع أحوالكم. (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أي أنصاره ومتابعيه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) من أهل النّار المسعّرة.
٧ ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ...) جزاء على كفرهم وهذا حال الفئة الأولى أي المتابعين للشيطان (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) أي ثواب عظيم وهذا وعد للفئة الثانية أي المخالفين لدعوته لعنه الله.
٨ ـ (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ...) إلخ أي الكفار حسّنت لهم نفوسهم الشريرة أعمالهم السيئة فتصوروها حسنة أو زيّنها الشيطان لهم هل هؤلاء كمن ميّز بين الحسن ففعله والقبيح فانتهى عنه (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يلطف بمن يشاء فيهتدي باختياره ويمنع لطفه عمن يشاء فيختار الضلال. (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) أي لا تهلك نفسك يا محمد عليهم حسرة ولا يغمك حالهم إذ كفروا واستحقوا العقاب. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) عارف بما يفعلون فيجازيهم عليه.
٩ ـ (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً ...) أي تهيّجه وتزعجه من حيث هو من الشمال والجنوب وغيرهما. (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) أي إلى أرض مجدبة فيمطر على ذلك البلد (فَأَحْيَيْنا بِهِ) يعني بمائه المستكن في السّحاب (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) فأنبتت بعد يبسها. (كَذلِكَ النُّشُورُ) أي مثل إحياء الأرض إحياء الأرواح.
١٠ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ...) أي من أراد الشّرف والعزّ والتّعالي فليطلبها منه بطاعته ، فإنها كلّها له ومن عنده دنيوية وأخرويّة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) أي التوحيد (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) في جملة (يَرْفَعُهُ) احتمالات ثلاثة : الأوّل : أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله. الثاني : عكس الأول أي أن الكلم الطيب يرفع العمل الصالح إليه سبحانه. الثالث : أن العمل الصالح يرفعه الله إليه أي يقبله. (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) أي يعملون السيئات وقيل : يشركون بالله. وقيل الذين تآمروا على رسول الله (ص) في دار الندوة. (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) جزاء مكرهم الذي (هُوَ يَبُورُ) أي يبطل ولا ينفذ.
١١ ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ...) باعتبار كون البشر تولّدوا من آدم وهو مخلوق من التراب ، (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) من ماء كل من الرجل والمرأة. (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي أصنافا متنوّعة ذكرانا وإناثا (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي إلا وهو معلوم له سبحانه. وهو من الغيب الذي اختصّه بذاته المقدسة (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) أي ما يزاد في عمر أحد أو ينقص منه ثابت متحقّق في كتاب علمه سبحانه (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي ما ذكر من الحفظ والنقص والزيادة والخلق فإنّه كله سهل عليه جلّ وعلا.