٣٢ ـ (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ... أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى ...) إلخ أي قال المتبوعون للأتباع على طريق الإنكار : أنحن صددناكم؟ أي لم نصدّكم نحن عن قبول الهدى (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) فأنتم باختياركم كفرتم حيث أعرضتم عن الهدى.
٣٣ ـ (وَقالَ ... بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) أي قال الأتباع للمتبوعين مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا صدّنا عن هدايتنا إلى الإيمان. (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) أي أنتم كنتم قوّادنا وكنّا من رعاياكم المأمورين بأوامركم المنتهين بنواهيكم ، وقد كنتم تأمروننا بأن نكفر بالله (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) أي شركاء (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي أخفاها الفريقان خوف الفضيحة والتّعبير ، وقيل أظهروا الندامة لأن صيغة أسرّ مما يفيد الأضداد (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ ...) الآية ، إيراد المستقبل بلفظ الماضي لتحقّق وقوع الفعل فإنّهم بحكم من وضع الغلّ في عنقه (هَلْ يُجْزَوْنَ) إلخ الاستفهام للإنكار أي : لا يجزون إلا بأعمالهم.
٣٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ ...) أي رسولا منذرا (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي رؤساؤها المتنعّمون (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) تخصيص المترفين بالتكذيب لأنهم الأصل في العناد ، ولأنّ معظم الداعي على التكذيب هو التكبّر والتفاخر بالزخارف الدنيوية والانهماك في الشّهوات ، ولهذا أخذوا الترف علة للتميز.
٣٥ ـ (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً ...) أي من كان أكثر أموالا (وَأَوْلاداً) أي قوّة فهو أولى بدعوى الرّسالة والإمارة على الناس ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأننا أكرم عند الله منكم في الدنيا فلا يهيننا بالعذاب يوم القيامة.
٣٦ ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ ...) إلخ أي قل يا محمد لهؤلاء المترفين الجهلة : إن الله تعالى يوسّع الرزق ويضيّقه بحسب المصالح والحكم التي يراها وهو عالم بها ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لا يدرون ولا يدركون ذلك.
٣٧ ـ (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ...) قربى أو : تقرّبا. فالأموال والأولاد لا تقرّب أحدا منكم قربى لدينا (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) بإنفاق ماله في سبيل الله ، وتعليم ولده الخير والصلاح (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) أي يجازون الضّعف إلى العشر وزيادة إلى سبعمائة كما في الحديث ، (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) أي في القصور السّامية العالية في الجنة مأمونون من جميع المكاره والآلام.
٣٨ ـ (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا ...) أي بالإبطال والطّعن (مُعاجِزِينَ) بزعمهم أنّهم أعجزونا بذلك وظنّهم بأننا لا نقدر على أخذهم (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) فالذين يجهدون لطمس آياتنا وإبطالها فإنهم سوف يحضرون يوم القيامة للعذاب في جهنم.
٣٩ ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ...) إلخ مر تفسيره وإنما كرره سبحانه لاختلاف الفائدة حيث إن الأول توبيخ للكافرين وكانوا المخاطبين به وهنا وعظ للمؤمنين. (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) أي ما بذلتم من أموالكم التي رزقكم الله في وجوه البرّ فإنه تعالى يعطيكم عوضه عاجلا وآجلا بزيادة النعمة في الدنيا وعظيم الثواب في العقبى. (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأنه يعطي لمحض نفع عباده ولا لدفع ضرر أو جر نفع لاستحالة المنافع عليه لأنه الغني والمضار لأنه القادر المطلق.