١٦ ـ (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ ...) أي كما أنزلنا تلك الآيات المذكورة أنزلنا القرآن بتمامه (آياتٍ بَيِّناتٍ) حججا واضحات في العقدة والأحكام (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) يوفّق للهدى من يشاء. والجملة خبر لمبتدإ محذوف ، أي والأمر أن الله يهدي من يريد وأما من لا يريد أن يهديه فلا هادي له ، فمجرد كون الآيات بينات لا يكفي في هداية من سمعها أو تأمل فيها ما لم يرد الله هدايته.
١٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ...) أي أن المؤمنين بمحمد وكذلك اليهود ممن آمن بموسى ومن قبله من الرسل الواقفون فيه وكتابهم التوراة وقد أحرقها بخت نصّر ملك بابل حينما استولى عليهم في أواسط القرن السابع قبل المسيح ثم أعاد كتابتها لهم عزرا الكاهن في أوائل القرن السادس قبل المسيح حينما فتح كورش ملك الفرس بابل وتخلص بنو إسرائيل من الأسر ورجعوا إلى الأرض المقدسة. (وَالصَّابِئِينَ) الذين يعبدون الكواكب (وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ) الذين يعبدون النار (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) هم عبدة الأصنام (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بإظهار المحقّ منهم والمبطل (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فهو مراقب لهم مطلع على جميع أحوالهم على كل شيء وكل ما يصدر عن مخلوقاته.
١٨ ـ (أَلَمْ تَرَ ...) أي ألم تعلم ... (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي من العقلاء. (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) إلخ أي يسجد له جميع هذه المخلوقات سجود خضوع وانقياد لما يريد منها. (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) يعني المؤمنين الذين يسجدون لله. (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) أي من الناس بكفره لإبائه الانقياد والسّجود (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) أي من يحتقره الله (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) لا يكرمه أحد (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) من الإنعام والانتقام بالفريقين.
١٩ ـ (هذانِ خَصْمانِ ...) أي جمعان من المؤمنين والكفار من أهل الملل الخمس المذكورة يعني : اليهود والنّصارى والصّابئين والمجوس والمشركين (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) أي المؤمنون على حدة ، والكفار بأجمعهم على حدة ، تجادلوا في دين ربهم وفي أحقية كل منهما برضا الله ورضوانه. (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) أي فصّل لهم ألبسة ناريّة على قدر جثثهم الخبيثة. وقال أبو سعيد الخدري : ثياب من نحاس أذيب بالنّار يلبسونها. (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) أي الماء المغلي.
٢٠ ـ (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) : أي يذاب بذلك الحميم أحشاؤهم وأمعاؤهم (وَالْجُلُودُ) كما يذاب به جلودهم.
٢١ ـ (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) : أي سياط أو أعمدة من حديد تضرب بها رؤوسهم.
٢٢ ـ (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) : أي قاربوا الخروج من جهنم (مِنْ غَمٍ) أي ألم العذاب (أُعِيدُوا فِيها) ضربا بتلك الأعمدة والسّياط (وَذُوقُوا) يقال لهم احتقارا : ذوقوا (عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار المحرقة.
٢٣ ـ (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا ...) إلخ. أي يدخل المؤمنين به وبرسله الجنة الوارفة الظّلال الجارية المياه (يُحَلَّوْنَ فِيها) يلبسون في الجنّة حليّا (مِنْ أَساوِرَ) وهي ما يلبس في اليد. والأساور : جمع أسورة وهي جمع سوار. (مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) أي ومن لؤلؤ. (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) يلبسون في الجنّة الدّيباج الخالص حيث حرم لبسه عليهم في الدنيا.