٩٨ ـ (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ...) أي قال ذو القرنين : هذا السد نعمة من نعم الله لعباده أنعم بها عليهم في دفع شر يأجوج ومأجوج عنهم (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) فإذا اقترب مجيء أشراط الساعة وهو خروج يأجوج ومأجوج قبيل ذلك ، فحينئذ يجعله ربّي مدكوكا حتى يسوّيه بوجه الأرض. (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي أنه كائن قطعا.
٩٩ ـ (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ...) أي خلّينا يأجوج ومأجوج يوم خروجهم من السدّ يندفعون بكثرة مختلطين حالهم حال المياه الكثيرة التي تضطرب أمواجها وتتلاطم في جريانها واندفاعها. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وقد اختلف في شكل ذلك الصور فقيل هو قرن ينفخ فيه إسرافيل (ع) ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ،! والثانية النفخة التي يصعق منها من في السماوات والأرض وبها يموتون ، والثالثة نفخة القيام لربّ العالمين. (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) أي حشرناهم في صعيد واحد للحساب.
١٠٠ و ١٠١ ـ (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) : أي أبرزناها لهم حتى شاهدوها قبل دخولها ، فهم (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) أي الذين غفلوا عن الاعتبار والتفكّر بقدرتي الموجب لذكري واعرضوا عن الاعتبار بآياتي فصاروا بمنزلة من يكون على عينيه غطاء يمنعه عن الإدراك (وَكانُوا) مع ذلك العمى (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي يعرضون عن استماع ذكر الله تعالى.
١٠٢ ـ (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي ...) أي : هل ظنّوا أن يتخذوا عبادي الذين خلقتهم ودانوا بربوبيّتي : (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) آلهة ومعبودات لهم. وأن ذلك ينجيهم من عذابي؟ (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (جَهَنَّمَ) بعذابها الشديد (لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) أي مأوى ومنزلا.
١٠٣ ـ (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) : أي قل يا محمد للناس : أتريدون أن نخبركم بأشد الناس خسرانا في العمل يوم القيامة؟
١٠٤ ـ (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) إلخ أي ضاع عملهم وكدّهم لكفرهم فلم يأجرهم الله عليه ويظنون أنهم محسنون وأن أفعالهم طاعة وقربة.
١٠٥ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ ...) أي جحدوا دلائل ربّهم من القرآن وغيره ، وأنكروا البعث والقيامة (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت بكفرهم لأنهم أوقعوها على خلاف ما أمر الله (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أي لا نرفع لهم ميزانا توزن به أعمالهم إذ ليس لهم أعمال بعد الحبوط ، أو أن المعنى : لا نجعل لهم مقدارا ولا اعتبارا.
١٠٦ ـ (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ ...) هي تفسير لسابقتها بمعنى أن عدم اعتبار عملهم ذا أهمية جعل جزاءهم يوم القيامة جهنّم (بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) بسبب كفرهم واتخاذهم دلائلي على وحدانيتي ورسلي موضع هزء وسخرية.
١٠٧ و ١٠٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) أي أن المصدّقين به وبرسله وآياته (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) في يوم القيامة ، فهي مثواهم الذي يخلدون فيه ويتنعّمون. والفردوس أعلى درجات الجنة. (خالِدِينَ فِيها) يعيشون أبدا. (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) لا يطلبون تحوّلا عنها إلى غيرها.
١٠٩ ـ (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ...) قل يا محمد ، لو كان البحر حبرا أو مدادا تكتب بها كلمات ربي ويسجّل به علمه (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) انتهى (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) وتنتهي آياته وعلمه (وَلَوْ جِئْنا) لهذا البحر (بِمِثْلِهِ مَدَداً) عونا يرفده ولو كان مثله حجما.
١١٠ ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ ...) أي : قل يا محمد للناس : أنا مخلوق لله تعالى كما أنكم مخلوقون له ، لا فضل لي عليكم إلا بالوحي والنبوة (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا ربّ سواه ولا شريك له (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) أي يطمع في الحصول على جزاء ربه والوقوف بين يديه يوم القيامة لنيل ثوابه. (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) أي خالصا لله (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أي لا يقصد بعمله الرياء الذي يسمّى بالشّرك الخفيّ الذي يكون في الأعمال.