٥٤ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ ...) أي بيّنا فيه مفصّلا (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من كل شيء يحتاجون إليه من قصص الأمم الماضية للعبرة ، ومن دلائل القدرة الكاملة تقوية للبصيرة. وقد مر تفسيره في سورة بني إسرائيل (جَدَلاً) أي خصومة.
٥٥ ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ...) إلخ أي لم يحجزهم عن الإيمان وطلب المغفرة بعد مجيء الدلالة غير طلب ما جرت العادة الإلهيّة عليه من إهلاك الظّلمة الماضين في الدّنيا ، و (الْعَذابُ) عذاب الآخرة (قُبُلاً) أي عيانا.
٥٦ ـ (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ ...) إلخ أي لم نبعث الأنبياء إلا ليرغّبوا الناس بالثواب وليخوّفوهم من العقاب (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يخاصم الكفار أهل الحقّ دفاعا عن مذهبهم (بِالْباطِلِ) من إنكار إرسال البشر كقولهم للأنبياء : ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ، ومن اقتراحهم الآيات بعد ظهور المعجزات ، ومن نسبة ما جاء به الأنبياء إلى السحر والشعر والكهانة (لِيُدْحِضُوا بِهِ) أي ليزيلوا بالجدال (الْحَقَ) القرآن أو الدّين القويم (وَاتَّخَذُوا آياتِي) يعني دلائل وجودي وقدرتي. (وَما أُنْذِرُوا) من ذكر القيامة وعذابها ، (هُزُواً) سخرية.
٥٧ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ...) إلخ أي ليس أظلم من الإنسان الذي ترشده إلى الحق فيعرض عنه (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي أغطية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفهموا القرآن ، (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) إلخ صمما وثقلا ، كناية عن غباوة قلوبهم ومسامعهم عن قبوله ، فهم لا يهتدون أبدا.
٥٨ و ٥٩ ـ (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ...) إلخ واضح المعنى ، وهو لا يؤاخذ الناس بذنوبهم ولا يعجّل لهم العذاب في الدّنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) يوم القيامة و (مَوْئِلاً) ملجأ. و (الْقُرى) عاد وثمود وأمثالهم (لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) أي لإهلاكهم وقتا معلوما لا يستأخرون عنه ولا يستقدمون. وورد في تفسير القمي : لما سأل اليهود النبي (ص) عن قصة أصحاب الكهف وأخبرهم بها ، قالوا له (ص) : أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته فأنزل الله تعالى قوله :
٦٠ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ ...) أي يوشع بن نون سمّي فتى لأنه كان حديث السنّ أو لأنه كان يتبعه ويخدمه ، (لا أَبْرَحُ) أي لا أزال أسير (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) أي ملتقى بحري فارس وبحر الروم وهو المكان الذي وعد فيه موسى بلقاء الخضر (عليهماالسلام) (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أسير زمنا طويلا الحقب ثمانون سنة.
٦١ ـ (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما ...) أي ملتقى البحرين ، و (نَسِيا حُوتَهُما) أي تركاه ذهولا عنه (فَاتَّخَذَ) أي سلك الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) بارزا وقيل : مستترا. وقيل : إن موسى وفتاه لما بلغا ذلك الموضع جلسا ليستريحا فنام موسى من شدة التعب وعناء السفر ، واشتغل يوشع بالوضوء من ذلك الماء وكانت ماء الحياة فوقعت قطرة منه على ذلك الحوت المشوي أو المملوح فدبّت فيه الحياة فاتخذ الحوت سبيله ... إلخ.