٧٠ ـ (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ ...) أي لمّا هيّأ لهم ميرتهم ومتاعهم ، (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) أي وضع الوعاء الذي يكال به في حمل بعير أخيه بنيامين. وكان المكيال من ذهب مرصعا بالجواهر الثمينة ، وقيل إنه قبل استعماله للكيل كان يشرب به ولذا أطلق عليه اسم : السّقاية بهذا الاعتبار. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي نادى مناد من خدم الملك (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي يا أصحاب الإبل : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) وهذا التأكيد لكونهم سارقين بإنّ وباللّام علّله الإمام الصادق (ع) بقوله : ما سرقوا ، وما كذب يوسف. فإنما عنى سرقة يوسف من أبيه (ع) ...
٧١ ـ (قالُوا ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ، ما ذا تَفْقِدُونَ؟ ...) عند سماع النداء ، وقف إخوة يوسف وقالوا للمنادي ولمن تبعه عند سماع ندائه : أي شيء ضاع منكم حتى اتّهمتمونا بالسّرقة؟.
٧٢ ـ (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ...) أي أجاب غلمان الملك : قد افتقدنا صاع الملك الذي نكتال به. وقال المنادي من باب الإغراء (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) مكافأة له على إرجاعه (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي كفيل ضامن.
٧٣ ـ (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ ...) أي قال إخوة يوسف للمؤذّن ومن معه من عمّال الملك : نحلف لكم بالله أننا ما جئنا لنرتكب مثل هذا الجرم الشائن ولا لنرتكب فسادا في هذه البقعة من الأرض وأنتم تعلمون حسن سيرتنا وأمانتنا معكم في سفرتنا السابقة وفي هذه السفرة. (وَما كُنَّا سارِقِينَ) أي ولسنا بسارقين لما افتقدتم.
٧٤ ـ (قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ؟) أي أن جماعة الملك قالوا لإخوة يوسف : فما جزاء السارق إن كنتم كاذبين في قولكم ما كنا سارقين وانكشفت السرقة؟
٧٥ ـ (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ ...) أجاب إخوة يوسف أن جزاء السارق في شرعة يعقوب النبيّ (ع) هو نفس السارق الذي يوجد الصاع المسروق في متاعه بحيث يحلّ استرقاقه. (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) نعاقب السارقين باسترقاقهم.
٧٦ ـ (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ...) أي أن يوسف (ع) بدأ بتفتيش متاع وأحمال إخوته قبل أن يفتش عن الصواع في متاع أخيه بنيامين لإبعاد التهمة (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) أي أخرج السقاية من متاع بنيامين وقيل إنه لمّا وجدها مع بنيامين أقبل عليه إخوته يقولون : فضحتنا وسوّدت وجوهنا! متى أخذت هذا الصاع؟ (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي على هذا الشكل دبّرنا مكيدة لطيفة ليوسف ، فإن هذا العمل منه كان بإذن الله وبوحي منه لتبدأ مرحلة التفريج عن يعقوب (ع). (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) أي أنه لم يكن ليحقّ ليوسف أن يستبقي أخاه عنده في شرع ملك مصر لأن السارق في شرعه كانت عقوبته الجلد وتغريمه ضعف المسروق (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) إلّا في حال أنّ الله تعالى يريد القضاء في هذه الواقعة بشكل يخوّل يوسف أخذ أخيه لمصلحة اقتضت ذلك في المقام. (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) نرفع من نريد بالعلم والحكمة والتأييد والنبوة وغيرها كما فعلنا بيوسف نسبة إلى إخوته (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أي أن فوق كل ذي علم أعلم منه إلى أن يصل الأمر إلى الله العالم الذي ليس فوقه عالم.
٧٧ ـ (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ...) أي قال إخوة يوسف له بعد استخراجه للصواع من رحل بنيامين : إن يسرق بنيامين فقد سبق أن سرق أخ له يعنون يوسف نفسه في صغره عند ما كانت تحتضنه عمته وتحبه حبا شديدا بحيث لا تقوى على فراقه ، وعند ما أراد أبوه يعقوب أن يسترده منها احتالت بأن شدّت على وسط يوسف منطقة إسحاق (ع) التي كان أولاده يتوارثونها بالكبر وكانت عمته الأكبر في ذلك الوقت بينهم ، وادّعت بأنه سرقها لتستطيع بتلك الحيلة أن تستبقيه عندها وكان الحكم أن يسترق السارق سنة وهكذا كان. (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) أي سمع مقالتهم واحتفظ بتأثيرها في نفسه ولم يظهر لهم شيئا و (قالَ) في نفسه : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أي أسوأ منزلة فيما فعلتم بأخيكم في سرقتكم له من أبيه ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) أي أنه تعالى أعلم منكم بأن يوسف لم يسرق وكذا أخوه.
٧٨ ـ (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً ...) إنهم رقّوا في قولهم فخاطبوا الملك باستعطاف وقالوا : إن أبا بنيامين شيخ طاعن في السن أو كبير في القدر (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) أي خذ من شئت منّا عوضا عنه (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إن فعلت وأخذت البديل عنه من بيننا.