٢١ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ...) أي إذا أصبنا الكفار ـ لا الناس جميعا ـ برحمة منّا ، تشملهم من بعد أن يكونوا قد أصيبوا ببلاء. (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) يعني : فإذا هم يحتالون لإنكار آياتنا استهزاء وتكذيبا (قُلِ) لهم يا محمد : (اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) يعني هو سبحانه أقدر جزاء على المكر وذلك بإنزال العقاب بهم بأسرع من مكرهم (إِنَّ رُسُلَنا) أي الملائكة الحفظة (يَكْتُبُونَ) يسجلون (ما تَمْكُرُونَ) ما تدبّرون من حيل وسوء تصرّف.
٢٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ...) أي أنه تعالى هو الذي يمكّنكم من المسير في هذا وذاك بما خلق لكم من آلات السير في كل منهما بما يناسبه (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) أي لحين كونكم في السّفن (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) أي ومشت السفن وبراكبيها جارية كجري الماء. (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) أي ليّنة (وَفَرِحُوا بِها) أي سرّوا بتلك الريح لأنها تساعدهم في السير نحو هدفهم ، (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) أي ضربت السفينة ريح عصفت عليها بهبوبها المخيف ، (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي اضطرب البحر وجاء الركاب الموج المتلاطم من جميع الجهات (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) اعتقدوا أن الموج طوّقهم وأيقنوا بالغرق ف (دَعَوُا اللهَ) ابتهلوا إليه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي فعلوا ذلك على وجه الإخلاص في العقيدة ولم يذكروا وثنا ولا صنما لعلمهم بأنه لا ينفع ولا يغني شيئا ، (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) يا ربّنا (مِنْ هذِهِ) الورطة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي لنصيرنّ في جملة من يشكرك على نعمتك وفضلك.
٢٣ ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ...) أي : فلمّا خلّص الله تعالى ركاب السفينة من كارثة الغرق التي أوشكت أن تحلّ بهم ، إذا هم يعملون بالمعاصي في الأرض وينشرون الظلم والفساد (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي أن بغيكم فيما بينكم إنما تأتونه لحبكم الحياة العاجلة (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) أي أن مآلكم في الآخرة إلينا (فَنُنَبِّئُكُمْ) نخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بعملكم في الدّنيا لأننا سجّلناه عليكم.
٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ ...) لمّا رغّب سبحانه في الآخرة وزهّد في الدنيا في الآيات السابقة ، أتبع ذلك بصفة هذه وتلك ، فشبّه سرعة الفناء في الحياة الدّنيا بالماء الذي أنزله (مِنَ السَّماءِ) مطرا مجتمعا ما لبث أن توزّع (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) لأن المطر يتخلّل النبات ويمتزج به ويغذّيه ويدخل في تركيبه ويصير جزءا فيه جميعه (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) من حبوب وفواكه وخضار ، (وَالْأَنْعامُ) كالعشب المختلف (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) أي بهجتها وحسنها (وَازَّيَّنَتْ) يعني تزيّنت وتزخرفت في عيون الناظرين إليها (وَظَنَّ أَهْلُها) أي أيقن مالكوها (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) مستطيعون أن ينتفعوا بها على الدوام (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) جاءها قضاؤنا الذي حتمناه لإتلافها (فَجَعَلْناها حَصِيداً) أي صيّرناها محصودة نقتلعها من الأرض يابسة جافّة (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي كأنها لم تكن قائمة غنّاء زاهية في أمسها (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وبمثل ذلك المثل نبيّن حججنا للمعتبرين.
٢٥ ـ (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ...) قيل إن السلام هو الله تعالى ، ودار السلام هي الجنّة التي أعدّها للمطيعين ، وقيل إن دار السلام هي التي يسلم فيها المؤمنون من الآفات. (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بواسطة رسله (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى طريق الصلاح الموصلة إلى الدين الحق بنصب الأدلّة للمكلّفين ، وقيل يهدي عباده الصالحين إلى طريق الجنة.