٣٧ ـ (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي
الْكُفْرِ ...) النّسيء هو التأخير ، فتأخير الأشهر الحرم عن مواقيتها
التي رتّبها الله سبحانه عليها هو زيادة في كفر المشركين الّذين يفعلون ذلك. وقد
كانوا يفعلونه لأنهم كانوا أهل غزو وغارات ، وكانوا يتضايقون من بقاء ثلاثة أشهر
متوالية دون غزو فيلجئون إلى تأخير تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه بدل المحرّم
ويستحلّون الغزو في المحرّم. (يُضَلُّ بِهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يضيّعون بهذا النسيء عن حقيقة الأشهر الحرم فيحلّون ما
حرّم الله (يُحِلُّونَهُ عاماً
وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) أي يجعلون الشهر الحرام حلالا وبالعكس قائلين شهر بشهر (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ
فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) فهم إذا أحلّوا شهرا حراما ، حرّموا مكانه شهرا حلالا ،
ليوافقوا بذلك عدة الشهور. (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ
أَعْمالِهِمْ) فقد حسّن ذلك لهم إمّا من جهة هواهم ، وإمّا من قبل الشيطان
(وَاللهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فسّرناه سابقا.
٣٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما
لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ...) أي : إذا دعاكم الرسول للخروج إلى الحرب (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي جهاد الكفّار والمشركين (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الْأَرْضِ) أي تثاقلتم وملتم إلى السكينة وأخلدتم إلى الأرض (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ
الْآخِرَةِ) أي هل آثرتم نعيم الدّنيا الزائل على نعيم الآخرة الدائم؟ (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ليس نعيمها الذي يبلى بالقياس (فِي) متاع (الْآخِرَةِ) الدائم الخالد (إِلَّا قَلِيلٌ) زهيد.
٣٩ ـ (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ
عَذاباً أَلِيماً ...) أي : إن لم تخرجوا إلى قتال عدوّكم حين دعاكم النبيّ (ص)
وقعدتم عنه يعذّبكم الله عذابا موجعا في الآخرة (وَيَسْتَبْدِلْ) بكم (قَوْماً غَيْرَكُمْ) لا يتقاعدون عن الجهاد (وَلا تَضُرُّوهُ
شَيْئاً) أي ولا تلحقوا بقعودكم ضررا به سبحانه لأنه غنيّ بنفسه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مر معناه.
٤٠ ـ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللهُ ...) أي إن لم تساعدوا النبي على قتال عدوّه ، فإن الله لا
يخذله بل يتولّى نصره دائما. (إِذْ أَخْرَجَهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا) من مكة وكان (ثانِيَ اثْنَيْنِ) أي أحد اثنين هو وأبو بكر (إِذْ هُما فِي
الْغارِ) وحدهما ، والغار هو غار ثور الواقع في جبل بمكة (إِذْ) كان (يَقُولُ) النبيّ (ص) (لِصاحِبِهِ) أبي بكر (لا تَحْزَنْ) يعني : لا تخف (إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي مطّلع على ما نحن فيه وهو يحفظنا. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) أي على محمد (ص) إذ ألقى الاطمئنان في قلبه (وَأَيَّدَهُ) يعني قوّاه (بِجُنُودٍ) تنصره (لَمْ تَرَوْها) هي ملائكة كانت تضرب وجوه أعدائه وأبصارهم حتى لا يروه ،
ولا يمكن أن يكون الضمير في (عَلَيْهِ) راجعا لأبي بكر لأن الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبيّ
(ص) بلا خلاف فلا يعقل أن يعود ضمير واحد من بينها على أبي بكر دون التنويه باسمه
أو بما يدل عليه (وَجَعَلَ) الله (كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلى) فأحبط تآمرهم (وَكَلِمَةُ اللهِ
هِيَ الْعُلْيا) أي المرتفعة المنتصرة دائما وأبدا (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) مر معناه.