١٣١ ـ (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ ...) أي أن بني إسرائيل كانوا إذا جاءتهم النّعمة قالوا إننا أهل لذلك لأن النعمة والسلامة والتوفيق ، تأتينا نتيجة حذاقتنا وشطارتنا فهم إذن لا يعلمون أن ذلك كله من الله سبحانه. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) تحلّ بهم بلية (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) يعني : يتشاءمون بموسى وأتباعه. ويعتقدون بأنهم هم سبب بؤسهم وما نزل بهم من شر (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) أي أن التشاؤم الذي ابتلوا به هو نذير لهم من عند الله. فلو كانوا يعقلون للجأوا إلى الله وطلبوا منه الخير والسلامة. ولفظة طائر ، مشتقة من الطير ، وطائر الإنسان عمله ومنه قوله تعالى : «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه» ، وقد أخذ من أن العرب كانوا يزجرون الطير فتتشاءم بالطائر الذي يأتي من جهة الشمال دون الذي يأتي من جهة اليمين (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لا يعرفون حقيقة ذلك ليثوبوا ويتوبوا.
١٣٢ ـ (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ ...) أي : قال آل فرعون لموسى (ع) : إنّ أيّة معجزة تجيئنا بها. (لِتَسْحَرَنا بِها) وتموّه علينا بها لتصرفنا عن دين فرعون (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) فلن نصدّقك.
١٣٣ ـ (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ...) الطوفان : هو الماء الخارج عن العادة والمدمّر وقد اختلف المفسرون في الطوفان الذي أصاب آل فرعون ، فقيل هو الطاعون ، أو الموت الذريع ، أو الجدريّ ، (وَالْجَرادَ) المعروف (وَالْقُمَّلَ) الذي قيل إنه صغار الجراد أو الجراد الذي ليس له أجنحة ، كما قيل إنه البراغيث وأشباهها ، (وَالضَّفادِعَ) أيضا (وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) أي معاجز ظاهرة (فَاسْتَكْبَرُوا) أي فتكبّروا عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي كافرين وعاصين.
١٣٤ ـ (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ ...) الرّجز : العذاب ، يعني أنه حين حلّ بهم العذاب مما نزل بهم من الطوفان وغيره مما ذكرناه في الآيات السابقات (قالُوا : يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ) أي اطلب منه (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) أي بعهد النبوّة التي منحك إياها. (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ) أي دفعته عنّا (لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) لنصدّقنّ أنك رسول الله (وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) نطلقهم ونجعل أمرهم إليك.
١٣٥ ـ (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ ...) يعني : حينما رفعنا العذاب عنهم إلى وقت مقدّر هم واصلون إليه لا محالة (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) فإذا بهم ينقضون العهد.
١٣٦ ـ (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ ...) أي جزيناهم بسوء عملهم (فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي البحر (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (كَذَّبُوا بِآياتِنا) لم يصدّقوها (وَكانُوا عَنْها) عن دلائلنا (غافِلِينَ) معرضين.
١٣٧ ـ (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ ...) أي بني إسرائيل مكنهم في الأرض بعد إهلاك آل فرعون (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) يعني الأرض الواقعة في جهتي الشرق والغرب. وقيل شرق بلاد الشام وغربها. (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالخصب وكثرة المياه (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) يعني : وبذلك أنجز الله سبحانه وعده الحسن (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) وأتم النعمة على أتباع موسى. (بِما صَبَرُوا) أي بسبب صبرهم على ما ابتلاهم به من ظلم فرعون (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ) أي أهلكنا ما كان يعمله (فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من القصور والمساكن الفخمة ، (وَ) خرّبنا (ما كانُوا يَعْرِشُونَ) أي ما كانوا يغرسونه ويبنونه.