٥١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى ...) يخاطب سبحانه المؤمنين ، وينهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى
(أَوْلِياءَ) وهي جمع مفردها : وليّ ، أي من يقوم مقام الشخص في جميع
أموره عند الحاجة فاليهود والنصارى (بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فلا ينبغي للمؤمنين أن يتولّوهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي من يخلص لهم الولاء فإن حكمه كحكمهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ) فالله لا يتولّى هداية الظالمين بل يتركهم لاختيارهم.
٥٢ ـ (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ ...) والمراد بالمرض هو النفاق والمراد هنا خاصة هو عبد الله بن
أبيّ وأضرابه ممن أظهروا نفاقهم (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) أي يجدّون في معاونة اليهود وموادّتهم و (يَقُولُونَ نَخْشى) أي نخاف (أَنْ تُصِيبَنا
دائِرَةٌ) أي أن تحل بنا مصيبة. (فَعَسَى اللهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) لرسوله (ص) ... (أَوْ أَمْرٍ مِنْ
عِنْدِهِ) أي : أمر يكون فيه إعزاز المؤمنين وإذلال المشركين ... (فَيُصْبِحُوا) يصيروا (عَلى ما أَسَرُّوا
فِي أَنْفُسِهِمْ) ما أضمروه من الخبث والنفاق (نادِمِينَ) متحسّرين على الشك الذي يخامر نفوسهم في أمر النبيّ (ص).
٥٣ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ...) أي أن المؤمنين يقولون متعجبين (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ) حلفوا به (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) حلفا مغلظا (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ؟) وواضح أن هذا الاستفهام إنكاري ، أي ليس الأمر كذلك بل
المنافقون مع اليهود باطنا ، ولذلك (حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ) أي بطلت (فَأَصْبَحُوا
خاسِرِينَ) للدنيا والآخرة.
٥٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ
يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ...) خطاب للمؤمنين والارتداد هو الرجوع عن الإسلام بعد اعتناقه
، (فَسَوْفَ يَأْتِي
اللهُ بِقَوْمٍ) أي يستبدلهم بقوم آخرين (يُحِبُّهُمْ) الله (وَيُحِبُّونَهُ) فلا يخالفونه (أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ) أي ليّني الجانب على المصدقين بالله ورسوله (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) أي أشداء عليهم ، (يُجاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللهِ) يعني يقاتلون لإعزاز دينه وإعلاء كلمته (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) لا يعيرون سمعهم لمن يلوم قسوتهم في الحق. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) أي هذا التوفيق لكونهم كذلك (يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشاءُ) أي يعطيه من هو أهل لذلك (وَاللهُ واسِعٌ) موسع في عطاياه (عَلِيمٌ) عارف.
٥٥ ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) الخطاب للمؤمنين أي أن المتولي لأموركم بنحو الحصر هو الله
ورسوله والمؤمنون وهم (الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ) في حال نزول الآية الكريمة بدليل لفظة : يقيمون التي هي
فعل مضارع يفيد الحال والاستقبال ، ومثلها : (وَيُؤْتُونَ
الزَّكاةَ) أي يتصدقون حينئذ ، أي حين نزول الآية الكريمة ، (وَهُمْ راكِعُونَ) أي حال الركوع للصلاة فانحصرت الولاية بعد الله تعالى ،
وبعد رسوله الكريم (ص) بمن كان ساعتئذ يفعل الصدقة وهو راكع دون غيره من سائر
العالمين في ذلك الوقت وهو بالإجماع علي بن أبي طالب (ع).
٥٦ ـ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) فإن الذي يتّخذ الله تعالى ، ورسوله (ص) والّذين آمنوا ـ وهم
من ذكرنا في الآية الشريفة السابقة ـ أولياء يكون من حزب الله ، (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) المنتصرون.
٥٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا ...) يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله ابتعدوا عن (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً
وَلَعِباً) أي : الذين يستهزئون ويتلاعبون بدينكم ، (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) أي اليهود والنصارى (وَ) فهم أيضا (الْكُفَّارَ) عبدة الأصنام. (أَوْلِياءَ) بجميع معاني التولّي فارفضوا ولايتهم كلها (وَاتَّقُوا اللهَ) أي تجنّبوا ما يغضبه واعملوا ما يرضيه ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدّقين بما جاء من عند الله.