٤٢ ـ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ، أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ...) كرّر سبحانه كونهم سمّاعين للكذب ليبيّن أن غاية اهتمامهم كانت منصبّة على الكذب والاستماع الكثير إليه. وهم إلى جانب ذلك كثير والأكل للحرام. لأن أكّال صيغة للمبالغة. وقد سئل الصادق (ع) عن السحت فقال : الرّشى في الحكم وثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، ومهر البغيّ ، وأجر الكاهن ، وفي رواية : ثمن العذرة سحت. (فَإِنْ جاؤُكَ) أي : إذا أتاك هؤلاء المتجرئون على الله يا محمد للتحاكم (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ولك الخيار بالحكم بينهم ، أو بالإعراض عنهم وعدم الحكم بينهم. (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) لا يمكن أن يحصل لك أذىّ من جرّاء الحكم ولا من جرّاء عدم الحكم. (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الذين يعدلون مع الناس في قولهم وفعلهم.
٤٣ ـ (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ...) كيف يتحاكمون عندك وهم لا يعتقدون بنبوّتك وغير مؤمنين برسالتك ، في حين أن الحكم الذي يطلبونه منك منصوص في كتابهم التوراة التي فيها حكم الله. (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي يعرّضون عن الحكم الحق حتى ولو طابق حكم كتابهم السماوي. (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) أي ليسوا بمصدّقين بما في كتابهم ، ولا بحكمك المطابق له.
٤٤ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ...) يؤكد سبحانه أن في التوراة ما يهدي الناس إلى الحق ، وما ينير لهم طريق الرشاد ، مثلها مثل القرآن الكريم (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) أي أنبياء بني إسرائيل ومن أسلم على أيديهم واهتدى بهداهم. (لِلَّذِينَ هادُوا) أي لليهود المصدّقين بالله وأنبيائه. (وَ) كذلك (الرَّبَّانِيُّونَ) أي الروحانيون (وَالْأَحْبارُ) الرؤساء الدينيون (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) أي بما كانوا متعاهدين بحفظه من التوراة التي أنزلها الله (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) أي شاهدين على تطبيق أحكامه ، (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) تخافوا الناس (وَاخْشَوْنِ) خافوا جانبي (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا تبيعوها بالثمن الزهيد عنادا وجهلا ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وبدّل حسب هواه (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) واضح المعنى.
٤٥ ـ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...) أي ألزمنا اليهود بما فيها ، من أن من قتل نفسا محترمة بغير جرم موجب للقتل فلا بدّ من قتله (وَالْعَيْنَ) إذا فقئت عدوانا ، تفدى (بِالْعَيْنِ) أي عين الجاني (وَ) كذلك (الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) يفدى بالأنف حين جدعه ظلما (وَالْأُذُنَ) التي تشرط أو تجتذّ (بِالْأُذُنِ) يفعل بها ما فعل بغيرها (وَالسِّنَّ بِالسِّنِ وَالْجُرُوحَ) إذا حصلت ظلما فهي (قِصاصٌ) أي ذات قصاص ينظر بشأنه أهل الحكم ويقدّرون أرشه أو جزاءه (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) أي عفا وتنازل عن حقه قربة إلى الله (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أي صدقة عنه وتكفيرا لذنوبه. وفي الكافي عن الصادق (ع): يكفّر عنه من ذنوبه بمقدار ما عفى من جراح غيره. (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) من القصاص أو العفو ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم ولغيرهم.