١٧٦ ـ (يَسْتَفْتُونَكَ) : أي : يسألونك يا محمد (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) والكلالة لغة : التعب. وقد تجيء كلّل بمعنى : أحاط.
أما معنى الكلالة اصطلاحا فهم قرابة الإنسان ما عدا الوالدين والأولاد ، كالإخوة والأعمام ونظائرهم. (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) أي إن مات إنسان (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) يعني أنه كلّ (وَلَهُ أُخْتٌ) لأم وأب ، أو لأب فقط (فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) تملك هذا النصف إرثا بالفرض ، وترث النصف الآخر بالرد بحسب مذهبنا الشيعي (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) أي في صورة كون الميت هو الأخت والكلالة منحصرة في أخيها فقط. وتقسم تركته تنصيفا بين الأختين إذا لم يوجد غيرهما لقوله تعالى : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) تأخذانه بالفرض وتأخذان الباقي تنصيفا بالرد. (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً ، رِجالاً وَنِساءً) فإذا كانت الكلالة للميت مؤلفة من رجال ونساء (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي يعطى للذكر سهمان وللبنت سهم (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ) الأحكام ويظهرها (أَنْ تَضِلُّوا) مخافة أن لا تعرفوا وجه تقسيم المواريث في هذه الحالة (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي عالم بجميع الأشياء وبكافة أمور معاشكم ومعادكم.
سورة المائدة
وهي مدنية ، وآياتها ١٢٠ آية
١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...) العقد هو الاتفاق الذي يحصل بين طرفين أو أكثر لغاية تحقق مصالح المتعاقدين. وهو تعالى يقصد به هنا العبادات والمعاملات وجميع ما يتعاقد عليه الناس والمؤمنون في مقاصدهم وبعد محاوراتهم ، وفيما كلّفهم الله وألزمهم به من الإيمان به عزّ اسمه وبملائكته ورسله وحلاله وحرامه وجميع فرائضه وسننه ... (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) وهذا شروع ببيان عقوده تعالى وأحكامه. والبهيمة ـ لغة ـ كلّ حيوان لا يميز لما في صوته من الإبهام ، أو هي كل ذات أربع. والمراد بها الإبل والبقر والغنم. (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي سوى ما يذكر لكم منعه وحرمته في آيات أخرى. (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فهذا بعض ما تلا علينا حرمته. فإنه يحرم على الإنسان كلّ ما يصطاده في حال الإحرام (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) من تحليل المحلّلات ، وتحريم المحرّمات ، على ما توجبه الحكمة وما تقتضيه المصلحة ولا رادّ لحكمه.
٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ...) تحلوا ، من أحلّ : أي تصرّف بالأمر على أنه مباح. والشعائر جمع شعيرة ، وهي ما كان شعارا وعلما ، وهي هنا مناسك المواقف والطواف والسعي والعمرة والمواقف وسائر أفعال الحج. والمراد بالنهي عن التحليل هو النهي عن تحريفه والتصرف فيه لإخراجه عن وجهه ، فلا ينبغي إحلال شيء من فرائض الله ، (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) أي الشهر الذي حرّم فيه القتال. وأريد من الشهر الجنس فيشمل النهي مجموع الأشهر الأربعة التي حرم فيها القتال ، ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ورجب ... فلا تتعاملوا حسب تحليلكم : لا بشعائر الله ، ولا الأشهر الحرم (وَلَا الْهَدْيَ) أي الحيوان الذي يهدى إلى بيت الله من الإبل أو البقر أو الغنم ، فإنه ليس لأحد أن يتعرض له بسوء ما دام مسوقا إليه ولم يصل إليه. (وَلَا الْقَلائِدَ) أي الشيء الذي يقلّد به علامة على أنه هدي فلا يتعرض له أحد حتى يصل سالما إلى محل ذبحه وتضحيته ... (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أي قاصدين إياه أي فلا تحلوا وتمنعوا أيّها المؤمنون قوما قاصدين المسجد الحرام (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) أي يطلبون إحسانا وثوابا منه تعالى (وَرِضْواناً) وأن يرضى عنهم. (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) يعني إذا حللتم الإحرام وشئتم التصيّد فاصطادوا فلا جناح عليكم عند ذلك ولا جرم ، (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) أي ولا يحملنّكم بغضاء قوم. (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أي فلا يكسبنّكم بغض هؤلاء القوم الاعتداء عليهم بالانتقام وإلحاق الضرر بسبب صدّكم عن المسجد الحرام ، (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) أي تعاضدوا على العفو وتجنّب الهوى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) أي لا تتساعدوا على ما فيه ذنب واعتداء (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يعني أنه يجازي من يخالف قوله أعظم جزاء.