وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، والعباس فصيلة ، وسميت الشعوب ؛ لأن القبائل تشعبت منها).
وبمناسبة هذه الآية أقول : لقد حددت الآية الحكمة من خلق الله عزوجل الناس شعوبا وقبائل بأنها التعارف ، وهذا يقرر واقعا أن هناك شعوبا وقبائل ، ويلغي أن يكون لشعب فضل عند الله بسبب كونه شعب كذا أو قبيلة كذا ، وإنما الفضل عند الله ميزانه التقوى ، فالناس يتفاوتون عند الله بقدر تفاوتهم في تقواهم ، ولا تنفي الآية أن يكون لشعب ميزة أو خصائص ، ولكن هذه الميزة والخصائص بسبب من استعداد هذا الشعب للتقوى ، والتزامه بها ، فالله عزوجل قال عن بني إسرائيل (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (الدخان : ٣٢) أي : على عالمي زمانهم ؛ وذلك بسبب استعدادهم الأعلى في زمانهم للتقوى ، وبسبب من كونهم أكثر الناس التزاما بما أنزل عليهم في زمانهم ، والله عزوجل اختار العرب ـ وقريش من العرب ـ لحمل رسالته الأخيرة الخاتمة بسبب استعدادهم الأعلى لذلك ، فشرّفهم بالرسالة فقال تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (الزخرف : ٤٤) وبسبب علمه تعالى أنهم أكثر الناس التزاما بهذه الرسالة ، وقدرة على حملها ، ومن ثم حذّرهم في حال توليهم أنّه سيستبدل لحمل رسالته غيرهم (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (محمد : ٣٨) وبهذه المناسبة نحب أن نسجل بعض المعاني التي لها علاقة بحكمة اختيار العرب لحمل الرسالة ، وحكمة اختصاص قريش بين العرب بالخلافة.
إن الشعب العربي يملك طاقة نفسية هائلة ، هذه الطاقة النفسية الهائلة إن أحسن تهذيبها وتوجيهها فعلت الكثير ، وإلا كانت أداة دمار وتدمير ، تحطم بعضها. فهي تشبه ماء السيل إن أحسن حبسه ووضعه وراء السدود أمكن الاستفادة منه ، وإلا كان أداة دمار ، هذه الطاقة النفسية الضخمة عند العرب التي لم يهذبها إلا الإسلام ، وعند ما هذّبها فعلت ما فعلت. قد تكون هذه الطاقة النفسية الهائلة فيها سر اختيار الله للعرب لحمل رسالته ، وقد تكون الحكمة في جانب آخر ، فكل الشعوب عندها استعداد للتفاعل مع الإسلام ، ولكن قد يكون العرب ساعة نزول القرآن عليهم هم أكثر الشعوب استعدادا للتفاعل الكامل الأعلى بكل جانب من جوانب الإسلام ، فاختارهم الله لرسالته لعلمه بذلك (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام : ١٢٤) وقريش هي أكثر العرب استعدادا لحمل هذا الدين والتفاعل معه ؛ ومن ثم نلاحظ أن أرقى الخلق في الإسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا من قريش : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة