٨ ـ بمناسبة قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) قال ابن كثير : (وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلى المدينة فأقام بها ذي الحجة والمحرم وخرج في صفر إلى خيبر ففتحها الله عليه ، بعضها عنوة وبعضها صلحا ـ وهي إقليم عظيم كثير النخل والزروع ـ فاستخدم من فيها من اليهود عليها على الشطر وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم ، ولم يشهدها أحد غيرهم إلا الذين قدموا من الحبشة : جعفر ابن أبي طالب وأصحابه ، وأبو موسى الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم ، ولم يغب منهم أحد. قال ابن زيد : إلا أبا دجانة سماك بن خرشة ـ كما هو مقرر في موضعه ـ ثم رجع إلى المدينة. فلما كان ذي القعدة من سنة سبع خرج صلىاللهعليهوسلم إلى مكة معتمرا هو وأهل الحديبية فأحرم من ذي الحليفة وساق معه الهدي ، قيل : كان ستين بدنة فلبى وسار أصحابه يلبون ، فلما كان صلىاللهعليهوسلم قريبا من مر الظهران بعث محمد بن سلمة بالخيل والسلاح أمامه ، فلما رآه المشركون رعبوا رعبا شديدا ، وظنوا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يغزوهم ، وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه من وضع القتال عشر سنين ، فذهبوا فأخبروا أهل مكة ، فلما جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل بمر الظهران حيث ينظر إلى أنصاب الحرم ، بعث السلاح من القسي والنبل والرماح إلى بطن يأجج ، وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها كما شارطهم عليه ، فلما كان في أثناء الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص فقال يا محمد ما عرفناك تنقض العهد؟ ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «وما ذاك؟» قال : دخلت علينا بالسلاح والقسي والرماح. فقال عليه الصلاة والسلام : «لم يكن ذلك وقد بعثنا به إلى يأجج» فقال : بهذا عرفناك بالبر والوفاء ، وخرجت رءوس الكفار من مكة لئلا ينظروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلى أصحابه رضي الله عنهم غيظا وحنقا ، وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطريق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فدخلها عليه الصلاة والسلام وبين يديه أصحابه يلبون ، والهدي قد بعثه إلى ذي طوى ، وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها يوم الحديبية ، وعبد الله بن رواحة الأنصارى آخذ زمام ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقودها وهو يقول :
باسم الذي محمد رسوله |
|
باسم الذي لا دين إلا دينه |
اليوم نضربكم على تأويله |
|
كما ضربناكم على تنزيله |