أحد (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أي : يقولان : الغياث بالله منك ومن قولك ، ويقولان له : (وَيْلَكَ آمِنْ) بالله وبالبعث وهو دعاء عليه في الظاهر ، والمراد به الحث والتحريض على الإيمان (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌ) أي : صدق (فَيَقُولُ) لهما ما هذا القول (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : إلا خرافاتهم وأباطيلهم. وقد كثر هذا النوع من الناس في عصرنا كثرة كبيرة ، وقال تعالى منذرا ومبينا (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : قول الله بملء جهنم من أمثالهم (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : فى جملة أمم قد مضت من قبلهم (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) قال ابن كثير : أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) قال ابن كثير : أي : لكل عذاب بحسب عمله (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) قال ابن كثير : أي : لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها ، وقد فهم النسفي أن الآية ترجع على كل من المؤمنين والكافرين (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) قال النسفي : عرضهم على النار تعذيبهم بها (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) أي : بالطيبات ، أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا والمعنى : ما كتب لكم حظ من الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم ، وقد ذهبتم به وأخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي : الهوان ، أي الذل (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أي : بسبب كبركم (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) أي : باستكباركم وفسقكم. قال ابن كثير : فجوزوا من جنس عملهم ، فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتّباع الحق ، وتعاطوا الفسق والمعاصي ، جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون ، وهو الإهانة ، والخزي ، والآلام الموجعة ، والحسرات المتتابعة ، والمنازل في الدركات المفظعة ، أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله وبهذا انتهى المقطع الأول.
كلمة في السياق :
١ ـ رأينا في الآيات الأخيرة نموذجين : نموذجا للمحسنين الذين يستحقون البشرى ، ونموذجا للظالمين الذين أنذرهم القرآن ، والكلام عن الإحسان فرع الكلام عن العبادة لله التي ذكرت في بداية محور السورة ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسّر الإحساس بقوله «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وقد رأينا في الآيات أن الصفتين الجامعتين لأخلاق الكافرين هما : الاستكبار ، والفسوق. الاستكبار عن عبادة