فسورة الدخان دلّلت على أن هذا القرآن لا ريب فيه من خلال التعريف على الله وصفاته وأفعاله ، إذ المعرفة الكاملة لهذا تدل حتما على أن القرآن لا ريب فيه ، وإذ كانت المسألة كذلك فإن المرتابين في هذا القرآن ناس مرضى مرضا لا أمل في شفائه. ومع أن المسألة كذلك فقد نوقش هؤلاء المرتابون ، أما سورة الزخرف فقد دلّلت على أن هذا القرآن لا ريب فيه ، من خلال ذكر خصائص هذا القرآن ، وذكر مضمونه ، وأمّا سورة الشورى فقد فصّلت في الآيات الأولى من سورة البقرة ، والتي منها قوله تعالى (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ). وقد أكدت أن القرآن لا ريب فيه من خلال المضمون المشترك لرسالات الله ، ومن خلال ظهور آثار أسماء الله عزوجل فيه ، وهذا مظهر من مظاهر التكامل بين سور المجموعة الرابعة من قسم المثاني.
ذكرت سورة الشورى أن مضمون رسالات الله هو إقامة دين الله ، وعدم التفرق فيه ، وذكرت خصائص الجماعة التي تستطيع إقامة دين الله والاجتماع عليه ، وفي الزخرف رأينا خصائص هذا القرآن الذي يعرض دين الله ومضمونه الأعلى الحكيم ، وكونه يشرّف حامليه ، وأن فيه علم الساعة التي هي أعظم حدث يمرّ على هذا العالم.
وفي ذلك تربية لحملة الإسلام أن يقيموه ولا يتفرقوا فيه ، مع الاعتزاز به ، وعدم الالتفات عنه ، وعدم الاغترار بحال الكافرين ، وما هم عليه.
وتأتي سورة الدخان لتبين للمسلم الموقف السليم أمام شك الشاكين : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ).
فهذا مظهر ثان من مظاهر التكامل بين سور المجموعة الرابعة. ومن مظاهر التكامل في السور الثلاث أن كلا من السور الثلاث ذكرت بعض خصائص القرآن ، فسورة الشورى تذكر من خصائص القرآن : أنه منذر ، وأنه الصيغة الوحيدة للحق والعدل ، وأنه روح يحيا به الإنسان. وسورة الزخرف تذكر من خصائص القرآن : أنه عليّ ، وأنه حكيم ، وأنه ذكر ، وأنه علم للساعة. وسورة الدخان تذكر من خصائص القرآن أنه مظهر من مظاهر رحمة الله عزوجل ، وهكذا نجد المجموعة تتكامل مع بعضها فتؤدي بمجموعها خدمة متكاملة في نواح متعددة. وما ذكرناه نموذج على التكامل بين المجموعة وإلا فالأمر أوسع مما ذكرناه.