الموضوع الكثير ، ورتبوا عليه ضرورة الثبات على كفرهم وصدودهم عن الحق ، ومن ثم قال تعالى : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ) أي : من هذا المثل (يَصِدُّونَ) أي : يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وضحكا. أو يصدون عن الحق ويعرضون عنه. (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) قال النسفي : يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى ؛ فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينا ، وأعاد ابن كثير الضمير (هو) على محمد صلىاللهعليهوسلم بمعنى أآلهتنا خير أم محمد تثبيتا لأنفسهم على الشرك ، وإثارة لبعضهم بعضا على البقاء وعلى ما هم عليه (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) أي : ما ضربوا لك هذا المثل إلا لأجل الجدل والغلبة في القول ، لا لطلب الميز بين الحق والباطل ، قال ابن كثير : أي : مراء وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية ؛ لأنها لما لا يعقل ، وهي قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) ثم هي خطاب لقريش ، وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه ، فتعيّن أن مقالتهم إنما كانت جدلا منهم ليسوا يعتقدون صحتها (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أي : لداد شداد الخصومة دأبهم اللجاج (إِنْ هُوَ) أي : ما عيسى (إِلَّا عَبْدٌ) كسائر العبيد (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) بالنبوة (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : وصيّرناه عيرة عجيبة كالمثل السائر لبني إسرائيل قال ابن كثير : أي دلالة وحجة وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء. ثم قال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ) لقدرتنا على عجائب الأمور (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) أي : لبدّلنا منكم يا رجال (مَلائِكَةً) يخلفونكم ومن ثم قال : (فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أي : كما يخلفكم أولادكم قال النسفي : أي : كما ولّدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميّزنا بالمقدرة الباهرة فلتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من أجسام ، والقديم متعال عن ذلك. وهذا الذي ذكرناه في تفسير الآية. هو أحد اتجاهين ذكرهما النسفي ، وعلى هذا القول فالآية تدلّل على قدرة الله ، وعلى انفراده بالوحدانية ، وأن الملائكة وعيسى ليسوا إلا عبيدا لله. وعلى هذا فالآية تخدم السياق الخاص للمقطع الثاني ، وتخدم ما ورد في المقطع الأول من كون الملائكة عبيدا لله. وأما القول الثاني في تفسير الآية فهو : ولو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض يخلف بعضهم بعضا ، وفي هذا تهديد لأهل الأرض بإهلاكهم وفيه تحذير لقريش من تماديها في مثل هذا الكفر ، وجرأتهم عليه. وبهذا ينتهي المقطع.