بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم ، وطاعة إلى طاعتهم). (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) على مفارقة أوطانهم وعشائرهم ، وعلى غيرها من تجرّع الغصص ، واحتمال البلايا في طاعة الله ، وازدياد الخير (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف ، أي : يوفون أجرهم موفرا في الجنة (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) أي : بأن أعبد الله (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي : أمرت بإخلاص الدين ، قال ابن كثير : أي : إنما أمرت بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) قال السّدّى : يعني من أمته. قال النسفي : (أي وأمرت بذلك لأجل أن أكون أوّل المسلمين أي مقدّمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة. والمعنى : أن الإخلاص له السّبقة في الدين فمن أخلص كان سابقا ، فالأول أمر بالعبادة مع الإخلاص ، والثاني ، بالسبق ، فلاختلاف جهتيهما نزلا منزلة المختلفين ، فصح عطف أحدهما على الآخر).
(قُلْ) يا محمد (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وهو يوم القيامة ، فإذا كان هو كذلك فما بال المقصّرين (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) قال النسفي : (وهذه الآية إخبار بأنه يخص الله وحده بعبادته مخلصا له دينه دون غيره ، والأولى إخبار بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص ، فالكلام أولا واقع في نفس الفعل وإثباته ، وثانيا فيما يفعل الفعل لأجله). ولذلك رتّب عليه قوله (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) وهذا أمر تهديد وتبّر منهم (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) أي : الكاملين في الخسران ، الجامعين لوجوهه وأسبابه (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بإهلاكها في النار (وَأَهْلِيهِمْ) أي : وخسروا أهليهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنّهم أضلّوهم فصاروا إلى النار ، ثم وصف خسرانهم وأنه في غاية الفظاعة بقوله (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) وذلك لأنّهم استبدلوا بالجنة نارا ، وبالدرجات دركات ، ثمّ وصف حالهم في النار فقال (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) أي : أطباق (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي : أطباق من النّار ، أي : النار محيطة بهم (ذلِكَ) أي : الذي وصف من العذاب ، وذلك الظلل (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) ليؤمنوا به ويتّقوه ، ويجتنبوا مناهيه ، دلّ ذلك على أنّ الوعظ لا يؤثر إلا في عباد الله المؤمنين (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) أي : لا تتعرّضوا لما يوجب سخطي ، خوّفهم بالنّار ، ثمّ حذّرهم نفسه ، قال ابن كثير : أي : اخشوا بأسي وسطوتي وعذابي ونقمتي ، (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) أي : الشياطين (أَنْ