مواصفات الجماعة. وإن غياب هذا المعنى عن المسلمين من أخطر ما يواجههم ، وما يقعون فيه. وقد بينت الآية أن المشركين يشقّ عليهم ويعظم أن يقبلوا هذا الدين ، وأن يعملوا لإقامته ، وأن يجتمعوا على ذلك ، ومن تأمّل ما عليه أحزاب الضلالة رأى مصداق ذلك. ثم بعد أن بيّن موقف المشركين فقد بيّن حال أهل الكتاب الأوائل إذ تفرّقوا واختلفوا فحطمّوا أحد مظهري دين الله ، وهو الجماعة. وأن الأواخر منهم الذين ورثوا الكتاب شاكّون أصلا في هذا الكتاب ، وبالتالي فلا إقامة لدين الحق ، ولا اجتماع عليه.
(وَما تَفَرَّقُوا) قال النسفي : أي : أهل الكتاب بعد أنبيائهم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) قال النسفي : إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال ، وأمر متوعدّ عليه على ألسنة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي : حسدا وطلبا للرياسة ، والاستطالة بغير حق. قال ابن كثير : أي : إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم ، وقيام الحجة عليهم ، وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد والمشاقّة (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : فصل بينهم في الدنيا. قال النسفي : أي : لأهلكوا حين افترقوا ، لعظم ما اقترفوا. وقال ابن كثير : أي : لولا الكلمة السابقة من الله تعالى ، بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد ، لعجّل عليهم العقوبة في الدنيا سريعا. أقول : الذي يستحق العذاب هم الخارجون على الجماعة أي الخارجون عن الحق والباغون على أهله (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد جيل الخلاف (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) قال النسفي : أي : من كتابهم لا يؤمنون به حقّ الإيمان (مُرِيبٍ) أي : موغل في الريبة. قال ابن كثير : (يعني الجيل المتأخر بعد القرن الأول ، المكذّب للحق (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي : ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم ، وإنّما هم مقلّدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان ، وهم في حيرة من أمرهم وشك مريب وشقاق بعيد). ولشك أهل الكتاب وتفرقهم واختلافهم ، وأمام استكبار المشركين عن إقامة الإسلام والاجتماع عليه ، يأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بأوامر قال تعالى : (فَلِذلِكَ) قال النسفي : فلأجل ذلك التفرق ، ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا. وقال ابن كثير : أي : فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصّينا به جميع المرسلين قبلك ، أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم (فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) أي : فادع إلى دين الله والاجتماع عليه ، واستقم