ولا يحذرون منه ، بل هو عندهم هزر لا يعبأون به ، بينما هو كائن لا محالة ، وواقع لا ريب فيه ، أقول : وهذه هي العلّة الكبرى فإنّ كلّ سوء في المواقف والأقوال أثر عن الكفر باليوم الآخر ، أو الشك فيه ، أو الغفلة عنه ، ثم قال تعالى ، مقرّرا أنه على كل شىء قدير ، وبكل شىء محيط ، فإقامة الساعة يسيرة عليه سهلة لديه : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) أي : المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته ، وتحت طيّ علمه ، وهو المتصرّف فيها كلها بحكمه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. قال النسفي : أي : عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها ، وظواهرها وبواطنها ، فلا تخفى عليه خافية ، فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم. أقول : في ختم السورة بهذا النص ، تهديد لهؤلاء الكافرين على مواقفهم وأقوالهم ، وشكّهم ورفضهم. وبهذا انتهت السورة.
كلمة في السياق :
وهكذا أقام الله عزوجل الحجة على الكافرين من خلال مضمون الدعوة ، ومن خلال ما يترتّب على مواقفهم من تناقضات واستحالات ، ومن خلال إثبات أن هذا القرآن من عند الله. ثم إن السورة حذّرت وأنذرت ، وبشرّت وبيّنت وعلّلت بما يخدم هذه المعاني ، وفي الوقت نفسه ربّت الذين يسمعون لهذا القرآن والمؤمنين به على كثير من المعاني العملية ، كما عرّفت على بعض آثار العبادة من استقامة واستعاذة ، وصبر وطاعة ، ولذلك كله ارتباطه بمحور السورة ، وفي الكلمة الأخيرة عن السورة مزيد بيان فلننقل بعض فوائد عن السورة.
الفوائد :
١ ـ بمناسبة الكلام عن بداية سورة (فصّلت) يذكر بعض المفسّرين الحادثة التي تلا فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه البداية على عتبة بن ربيعة وهذه هي. قال ابن كثير :
روى الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : اجتمعت قريش يوما فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرّق جماعتنا وشتت أمرنا ، وعاب ديننا فليكلمه ، ولننظر ماذا يردّ عليه ، فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا : أنت يا أبا الوليد ، فأتاه عتبة ، فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد