التفسير :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) أي : بالقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) أي حين جاءهم. والخبر محذوف تقديره. أي : يعذّبون أو هالكون (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) قال ابن كثير : أي : منيع الجناب لا يرام أن يأتي أحد بمثله (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) قال ابن كثير : أي : ليس للبطلان إليه سبيل ، لأنه منزّل من رب العالمين : قال النسفي : أي : لا يأتيه التبديل أو التناقض ... بوجه من الوجوه أقول : أي : لا من الماضي ولا من المستقبل. فالماضي يؤيده والمستقبل يؤيده ، فلا ينقضه ماض ولا مستقبل (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ) في أقواله وأفعاله (حَمِيدٍ) أي : مستحق للحمد ، أي : محمود في جميع ما يأمر به وينهى عنه ، جميع ذلك محمودة عواقبه وغاياته (ما يُقالُ لَكَ) من التكذيب (إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية ، والمطاعن في الكتب المنزلة. فكما كذّبت كذّبوا ، وكما صبروا على أذى قومهم لهم فاصبر أنت على أذى قومك لك. (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) أي : لمن تاب إليه (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) أي : لمن استمر على كفره وطغيانه وعناده وشقاقه ومخالفته ثمّ لمّا ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته وإحكامه في لفظه ومعناه ، وأنّه مع هذا لم يؤمن به المشركون ممّا يدل على أن كفرهم به كفر عناد وتعنّت ، بيّن فيما يأتي أنّه لو أنزل هذا القرآن بلغة العجم لقالوا على وجه التعنّت ما سيقصه علينا ، فهم في كل حال متعنتون معاندون (وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي : القرآن (قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) أي : بلغة العجم ، وهو مع ذلك ظاهر الإعجاز ، فاجتمع له أن يكون كتابا أعجميا معجزا نزل على إنسان عربي (لَقالُوا) مع هذا تعنتا وعنادا (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) أي : أقرآن أعجمي ومخاطب عربي؟ والمعنى : أنّ آيات الله على أيّ طريقة جاءتهم وجدوا فيها مطعنا لأنّهم غير طالبين للحق ، وإنما يتّبعون أهواءهم (قُلْ هُوَ) أي : القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) أي : إرشاد إلى الحق (وَشِفاءٌ) أي : لما في الصدور من الشكّ ، إذ الشكّ مرض. قال ابن كثير : أي : قل يا محمد. هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه ، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أي : ثقل وصمم (وَهُوَ) أي : القرآن (عَلَيْهِمْ عَمًى) قال النسفي أي : ظلمة وشبهة وقال ابن كثير : أي : لا يهتدون إلى ما فيه من البيان (أُولئِكَ) أي : الكافرون (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) قال ابن جرير معناه. كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقول. وقال النسفي : يعني :