كيميائها. فولدت منها صخورا غير تلك الصخور ، حتى ما يكاد يجمعها ـ في منظر أو مخبر ـ شىء.
وينتقل بك الجيولوجي إلى الصنف الأكبر الثاني من الصخور. إلى الصخور التي أسموها بالمترسبة أو الراسبة ، وهي تلك الصخور التي اشتقت بفعل الماء والريح والشمس ، أو بفعل الأحياء من صخور أكثر في الأرض أصالة وأعقد. وأسموها راسبة لأنها لا توجد في مواضعها الأولى. إنها حملت من بعد اشتقاق من صخورها الأولى ، أو وهي في سبيل اشتقاق. حملها الماء أو حملتها الريح ، ثم هبطت ورسبت واستقرت حيث هي من الأرض.
ويضرب لك الجيولوجي مثلا للصخور الراسبة بالحجر الجيري الذي يتألف منه جبل كجبل المقطم ، ومن حجره تبني القاهرة بيوتها. ويقول لك : إنه مركب كيماوي يعرف بكربونات الكلسيوم ، وإنه اشتق في الأرض من عمل الأحياء أو عمل الكيمياء. ويضرب لك مثلا بالرمل ، ويقول لك : إن أكثره أكسيد السيلسيوم ، وإنه مشتق كذلك ، ومثلا آخر بالطّفل والصلصال ، وكلها من أصول سابقة.
وتسأل عن هذه الأصول السابقة التي منها اشتقت تلك الصخور الراسبة ، على اختلافها ، فتعلم أنها الصخور النارية. بدأت الأرض عندما انجمد سطحها من بعد انصهار في قديم الأزل ، ولا شىء على هذا السطح المنجمد غير الصخر الناري. ثم جاء الماء ، وجاءت البحار ، وتفاعل الصخر الناري والماء. وشركهما الهواء .. شركهما غازات متفاعلة ، وشركهما رياحا عاصفة ، وشركتهما الشمس نارا ونورا. وتفاعلت كل هذه العوامل جميعا. وفقا لما أودع فيها من طبائع. فغيرت من صخر ناري صلد غير نافع ، إلى صخر نافع. صخر ينفع في بناء المساكن ، وصخر ينفع في استخراج المعادن. وأهم من هذا ، وأخطر من هذا ، أنها استخرجت من هذا الصخر الناري الصلد ، الذي لا ينفع لحياة تقوم عليه ، استخرجت تربة ، رسبت على سطح الأرض ، مهدت لقدوم الأحياء والخلائق.
«إن الجرانيت لا ينفع لحرث أو زرع أو سقيا ، ولكن تنفع تربة هشة لينة خرجت منه. ومن أشباه له. وبظهور هذه التربة ظهر النبات ، وبظهور النبات ظهر الحيوان. وتمهدت الأرض لقيام رأس الخلائق على هذه الأرض. ذلك الإنسان ....» (١).
__________________
(١) كتاب (مع الله في السماء) ..