أفئدتهم وتهدأ
نفوسهم وتطمئن إلى قدرة الله وعظمته ، ورحمته أيضا. وفى يقينى أن تحقيق هذه
الأهداف السامية يتأتى ـ بشكل خاص ـ حين التفكر والنظر فى كيفية الخلق البشرى.
وإذا كنا نعايش عملية الخلق بكافة مراحلها وأطوارها ، فإن بيان القرآن الكريم عنها
فى آياته يصبح بمثابة التوجيهات والتعليمات التى تقدمها الشركة الصانعة لجهاز أو
آلة ، حتى يقرأها ويستنير بها مستعمل الجهاز.
وكمثال لدقة
العنوان الذى اخترته لهذا الكتاب ، فإننى أتوقف بقارئى عند كلمة الخلق. فالخلق ـ فى
اللغة ـ هو الإيجاد من العدم. وقد أشار سبحانه للخلق ببيانه فى القرآن الكريم أن
الانسان أتى عليه فترة زمنية لم يكن فيها شيئا مذكورا : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ
الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١]
هنا أرجو ـ أيها
القارئ العزيز ـ أن تلاحظ جمال التعبير الإلهى ودقته ، فهو تعالى لم يقل" لم
يكن شيئا" وإنما قال (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً
مَذْكُوراً ،) أى أنه قد كان شيئا ولكن لا يكاد يذكر فى قلة الاهتمام
والاحتفال به ، ولعمرى إنها لقمة البلاغة فى البيان.
ثم انظر معى إلى
إبداع الخالق فى الخلق .. حيث يتنوع البشر ويختلفون ، ويصبح كل فرد منهم مميزا عن
الآخرين. صحيح أن الأصل واحد ، والناس لآدم ، وآدم من تراب ، ولكن شتان بين معادن
الخير ومعادن الشر ، وشتان بين نوح وابنه ، وبين لوط وامرأته. وسبحان الخالق
البارئ المصور الذى أطلق عوامل الوراثة والاصطفاء لترسم الملامح والصفات ، وتحدد
الطول والقصر. سبحانه عز من قائل (وَمِنْ آياتِهِ
خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ
فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢]
وقد وجهت اهتماما
خاصا إلى محاولة معاونة قارئ هذا الكتاب على متابعة الموضوع دون الحاجة إلى تحمل
مشقة البحث عن الآيات القرآنية التى أتعرض لذكرها فى المصحف ؛ لعلمى بمدى صعوبة
هذا الأمر وعدم تيسره لمن ليس له إلمام