لمن يريد. قال النسفي : يعني ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاؤوا ، ويصرفوها عمّن شاؤوا ، ويتخيّر للنبوة بعض صناديدهم ، ويترفّعوا بها عن محمد صلىاللهعليهوسلم وإنّما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه. الوهّاب الكثير المواهب ، المصيب بها مواقعها ، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ، ثم رشح هذا المعنى فقال : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) حتى يتكلّموا في الأمور الربانية ، والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) قال ابن كثير : أي : إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم يعني : طرق السماء (جُنْدٌ ما) من الجنود المرتقين في الأسباب (هُنالِكَ مَهْزُومٌ) أي : مكسور هنالك أي في السماء (مِنَ الْأَحْزابِ) المكذّبين. ثم أخبر تعالى عن القرون الماضية ، وما حلّ بهم من العذاب والنّكال والنّقمات في مخالفة الرّسل ، وتكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي : قبل هذه الأمة (قَوْمُ نُوحٍ) كذّبوا نوحا (وَعادٌ) كذّبوا هودا (وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) كذب موسى وسمّي ذا الأوتاد إمّا لأنّه كان يربط بالأوتاد سجناءه ومعذّبيه ، وإمّا لتمكّن جذوره في الأرض (وَثَمُودُ) كذبت صالحا (وَقَوْمُ لُوطٍ) كذبوا لوطا (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي : الغيضة كذبوا شعيبا (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) قال النسفي : أراد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم ، وأنهم الذين وجد منهم التكذيب. وقال ابن كثير : أي : كانوا أكثر منكم وأشد قوة وأكثر أموالا وأولادا ، فما دافع ذلك عنهم من عذاب الله من شىء لمّا جاء أمر ربك ، ولهذا قال عزوجل (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ) جعل علّة إهلاكهم تكذيبهم بالرّسل ، فليحذر المخاطبون من ذلك أشدّ الحذر. قال النسفي : (ذكر أن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل لأن في تكذيب الواحد منهم تكذيب الجميع لاتحاد دعوتهم ...) ومعنى (فَحَقَّ عِقابِ) أي : فوجب لذلك أن أعاقبهم حق عقابهم (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) أي : المكذبون من هذه الأمة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي : النفخة الأولى وهي الفزع الأكبر (ما لَها مِنْ فَواقٍ) أي : ما لها من توقف مقدار فواق ، وهو ما بين حلبتي الحالب. أي : إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان ، أو مالها من رجوع وترداد ، أي : إنها نفخة واحدة فحسب ، لا تثنّى ولا تردّد (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) أي : عجّل لنا حظّنا ونصيبنا من الخير أو الشر في الدنيا. قال النسفي : أي : حظنا من الجنة