تفسير المجموعة الثالثة من المقطع الثاني
(وَما مِنَّا) أحد (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) في العبادة لا يتجاوزه قال ابن كثير : أي له موضع مخصوص في السموات ومقامات العبادات لا يتجاوزه ولا يتعداه (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) أي تصف أقدامنا في الصلاة ، أو تصفّ حول العرش ، داعين للمؤمنين ، قال ابن كثير : أي نقف صفوفا في الطاعة كما تقدم عند قوله تبارك وتعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) أي المنزهون أو المصلون وقال ابن كثير : (نصطف فنسبّح الربّ ونمجّده ونقدّسه وننزّهه عن النقائص ، فنحن عبيد له ، فقراء إليه ، خاضعون لديه).
كلمة في السياق :
١ ـ عرفنا من هذه الآيات ماهيّة مقام العبودية الكامل الذي يتحقق به الملائكة عليهم الرضوان ، وهو مقام جدير أن يقتدى به ، ولذلك فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يؤدّب المسلمين عليه كما سنرى في الفوائد وهو مقام يتنافى مع ما ينسبه المشركون للملائكة من معان.
٢ ـ نلاحظ حتى الآن في السورة أنه قد كان حديث عن الله عزوجل ، وعن الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وعن اليوم الآخر ، وعن الملائكة ، وكل ذلك من خلال عرض قضية التوحيد ، أي إنه حتى الآن عرض علينا أربعة أركان من أركان الإيمان ، ومرّ معنا ما يشير إلى موضوع القدر في قوله تعالى (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ.) وسيأتي معنا الآن أربعة آيات تتحدّث عن موضوع الإيمان بالكتاب ، وهكذا نجد السورة من خلال عرض قضية التوحيد قد عرضت لنا أركان الإيمان كلها ، وبهذا ندرك صلة السورة بمحورها وهو الآيات الأولى من سورة البقرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...) فلنر الآيات الأربعة التالية من سورة الصافات.