ويهب الله الصحة والقوة ـ مع رحمته ـ فإذا هي نعمة وحياة طيبة ، والتذاذ بالحياة. ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلّطه الله على الصحيح القوي ، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ، ويدّخر السوء ليوم الحساب!
ويعطي الله السلطان والجاه ـ مع رحمته ـ فإذا هي أداة إصلاح ، ومصدر أمن ، ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر. ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على قوتهما ، ومصدر طغيان وبغي بهما ، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ، ويدخر بهما للآخرة رصيدا ضخما من النار!
والعلم الغزير. والعمر الطويل. والمقام الطيب. كلها تتغيّر وتتبدّل من حال إلى حال .. مع الإمساك ومع الإرسال .. وقليل من المعرفة يثمر وينفع ، وقليل من العمر يبارك الله فيه. وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة.
والجماعات كالآحاد. والأمم كالأفراد. في كل أمر وفي كل وضع ، وفي كل حال .. ولا يصعب القياس على هذه الأمثال!
ومن رحمة الله أن تحسّ برحمة الله! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك. ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة. ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة. وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة. والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها. (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ.)
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال. وجدها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في النار. ووجدها يوسف ـ عليهالسلام ـ في الجب كما وجدها في السجن. ووجدها يونس ـ عليهالسلام ـ في بطن الحوت في ظلمات ثلاث. ووجدها موسى ـ عليهالسلام ـ في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة ، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه. ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور. فقال بعضهم لبعض : (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ووجدها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار .. ووجدها كل من آوى إليها يأسا من كل ما سواها. منقطعا عن كل شبهة في قوة ، وعن كل مظنة في رحمة ، قاصدا باب الله