ذلك (فَلا مُمْسِكَ لَها) أي فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها (وَما يُمْسِكْ) أي يمنع ويحبس (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي فلا مطلق لها من بعد إمساكه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي الغالب القادر على الإرسال والإمساك (الْحَكِيمُ) أي الذي يرسل ويمسك ما تقضي الحكمة إرساله وإمساكه. قال ابن كثير في الآية : (يخبر تعالى أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع).
نقل :
قال صاحب الظلال في قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :)
(في هذه الآية الثانية من السورة صورة من صور قدرة الله التي ختم بها الآية الأولى. وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعا.
إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله. وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض ، وتصله برحمة الله. وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض ، وتفتح أمامه باب الله. وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض ، وتشرع له طريقه إلى الله.
ورحمة الله تتمثّل في مظاهر لا يحصيها العد ؛ ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه ، وتكريمه بما كرمه ؛ وفيما سخّر له من حوله ومن فوقه ومن تحته ؛ وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير.
ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح. ويجدها من يفتحها الله له في كل شىء ، وفي كل وضع ، وفي كل حال ، وفي كل مكان ... يجدها في نفسه ، وفي مشاعره ؛ ويجدها فيما حوله ، وحيثما كان ، وكيفما كان. ولو فقد كل شىء مما يعد الناس فقده هو الحرمان .. ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شىء ، وفي كل وضع ، وفي كل حالة ، وفي كل مكان. ولو وجد كل شىء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان!
وما من نعمة ـ يمسك الله معها رحمته ـ حتى تنقلب هي بذاتها نقمة. وما من محنة ـ تحفّها رحمة الله ـ حتى تكون هي بذاتها نعمة .. ينام الإنسان على الشوك ـ مع