جاءت سورة النساء لتدل على الطريق.
جاءت سورة المائدة لتبعد عن الخطأ.
جاءت سورة الأنعام لتنفي الكفر ، وتقيم الحجة بظاهرة العناية.
وهكذا على نفس الوتيرة الموجودة في سورة البقرة ، وهكذا قل في كل قسم من أقسام القرآن.
ومن ثمّ تجد في هذا القسم زمرة (الم) تقابل مقدمة سورة البقرة. وسورة الأحزاب تقابل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ...). كما سنرى. فزمرة (الم) هنا تذكر الصفات والخصائص ، وتأتي سورة الأحزاب لتدلّ على طريق التحقق بالصفات والخصائص ، ولكن بما يكمّل ما قبله. فمثلا مقدمة سورة البقرة فصّلتها من قبل سورة آل عمران ، وسورة يونس ، وسورة الحجر ، وسورة طه ، وسورة الأنبياء. ثم سور زمرة (الم) من هذا القسم. فالزمرة هذه إذن مسبوقة بتفصيل ، ومن ثمّ فإنها تفصّل بمعان جديدة زائدة.
وكذلك فإنّ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فصّلتها سورة النساء ، وسورة هود ، وسورة الحج. والآن تأتي سورة الأحزاب. فسورة الأحزاب مسبوقة بما فصّل محورها. ومن ثمّ فهي تفصّل بمعان جديدة مكمّلة أخواتها ، ولكنّها بالنسبة لما قبلها مباشرة تدلّ على طريق التحقّق فيه ، وبتوضيح أكثر نقول :
إنّك إذا أردت أن تعرف معاني مقدمة سورة البقرة فعليك أن ترى كل سورة فصّلتها ، وإذا أردت أن تعرف معاني : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ...). فعليك أن تعرف معاني كل سورة فصّلتها ، ولكن إذا أردت أن تعرف الطريق إلى التحقق بمعان وردت في سورة ـ أو سور ـ تقابل المقدمة فعليك أن ترى السورة التي جاءت تقابل (يا أَيُّهَا النَّاسُ ...) مباشرة بعدها. فكلّما سرت في القرآن رأيت جديدا منبثقا عن أصل ، ومرتبطا بأصل ، وعلى ضوء ذلك نقبل على سورة الأحزاب.