كالمياسير ، وإذا لم يكن هذا وهذا وهذا فما هو إلا رجل مجنون هكذا كان موقفهم من الرسول أنهم نفوا الرسالة عنه لأنه ليس ملكا وليس معه ملك ، وليس معه كنز ، وليس له بستان ، وبعد أن عرض الله موقفهم تأتي الآيات لتعزي وتنذر وتقيم الحجة ، وكل ذلك في سياق الرد على هذا الموقف الهازىء من الرسول والرد يأتي على ثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى :
(انْظُرْ) يا محمد وأنت أعلم بنفسك (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي قالوا فيك تلك الأقوال ، واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال ، من المفترى والمملى عليه والمسحور (فَضَلُّوا) أي عن الحق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) فلا يجدون طريقا إلى الحق ، وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى فإنه ضال حيث توجه ، لأن الحق واحد ، ومنهجه متحد ، يصدق بعضه بعضا ، ثم عزى الله رسوله صلىاللهعليهوسلم وطيب قلبه فقال (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) أي تكاثر خير الذي إن شاء وهب لك في الدنيا خيرا مما قالوا ، وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور ، فهذا كله سهل يسير على الله ، ولكن له الحكمة في ترك ذلك ، وله الحجة البالغة.
هذه هي المرحلة الأولى من الرد وفيها تبيان أنهم ضلال وأنهم ما داموا على ما هم عليه من الآراء لا يهتدون ، وأن الله قادر على أن يعطي رسوله أكثر مما طلبوه ، ولكنه لا يفعل ؛ لأن حكمته لم تقتض ذلك. وفي هذا الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إشارة إلى أن رسول الله أول من يعلم بطلان أقوالهم ، وفي ذلك تعزية له وتبرئة ، والملاحظ أن الرد عليهم قد جاء من قبل ، حيث قال تعالى (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنه متى قامت الحجة على أن هذا القرآن من عند الله ، فقد قامت الحجة على أن محمدا رسول الله ، ولكن لأنهم جعلوا هذه شبهة مستقلة فقد جاء الجواب عليها بشكل مستقل ، ولننتقل إلى المرحلة الثانية في الرد.
المرحلة الثانية :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) قال ابن كثير (إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيبا وعنادا ، لا أنهم يطلبون ذلك تبصرا واسترشادا ، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال) وهكذا جاء الجواب هنا لافتا النظر إلى الأصل الذي جعلهم