بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١))
التفسير :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قالت هذا الكلام قريش ، ويقوله كل كافر ، وأكثر من فلسف فيه فلسفة ظالمة المستشرقون والمبشرون في عصرنا (إِنْ هَذا) أي القرآن (إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ) أي كذب اختلفه (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) أي واستعان على جمعه بقوم آخرين وقد ألف المبشرون والمستشرقون الكتب في مصادر هذا القرآن ، التي استعان بها محمد صلىاللهعليهوسلم ـ في زعمهم ـ وهكذا نجد أن منطق الكافرين في كل عصر واحد (فَقَدْ جاؤُ) أي فقد جاء هؤلاء الزاعمون (ظُلْماً وَزُوراً) التقدير : جاؤوا بظلم وزور ، وظلمهم أنهم جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب ، أو ظلمهم أنهم افتروا على الحقيقة ما ليس منها ، والزور أن بهتوه بنسبة ما هو برىء منه إليه (وَقالُوا) أي وقال هؤلاء الكافرون أيضا في رفضهم لهذا القرآن (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي خرافات الأولين وأحاديثهم (اكْتَتَبَها) أي استنسخها وكتبها لنفسه (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) أي تقرأ عليه (بُكْرَةً) أي أول النهار (وَأَصِيلاً) أي آخره فيحفظ ما يملى عليه ثم يتلوه علينا ، هذه هي الشبه التي زورها الكافرون ضد القرآن : أنه كذب ، وأنه أساطير الأولين ، وأن غير محمد صلىاللهعليهوسلم قد ساعده عليه ، ويأتي الجواب الدامغ على هذه الشبه بآية واحدة : (قُلْ) أي : جوابا على هؤلاء (أَنْزَلَهُ) أي : أنزل هذا القرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي أنزل هذا القرآن الذي يعلم كل سر خفي من أسرار السموات والأرض ، وكل سر خفي في السموات وفي الأرض ، لقد اشتمل هذا القرآن على علوم وأسرار يستحيل في العادة ـ أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام ، أو غيره ساعة نزول القرآن ، وذلك وحده دليل على أن هذا القرآن من عند الله عزوجل ، وليس من عند محمد صلىاللهعليهوسلم ، لا منفردا ، ولا بالتعاون مع الآخرين ، وقد رأينا خلال هذا التفسير ، ورأينا في بحث المعجزة القرآنية من كتابنا (الرسول) الكثير من أسرار السموات والأرض ، مما تعرض له القرآن ، ولم يك أحد يعرفه أو يتصوره أو يخطر بباله ، فما بالك إذا كان مع هذا غيره وغيره وغيره ، مما لا يمكن أن يتصور عاقل أن