وعند ما يعطي المنافق الطاعة بلسانه ويمنعها على أرض الواقع ، فإنما يفعل ذلك لعدم تصوره الصحيح لرعاية الله للمسلمين ، فعند ما يأتي في هذا المقام وعد من الله ، وشروط تحقيق هذا الوعد ، فإن في ذلك تصحيحا وتوجيها. وفي ذلك مظهر من مظاهر تكامل المجموعة.
إن الذي يصرف الناس عن الدخول في الإسلام ، والالتزام به ، هو خطؤهم في فهم التكليف الإلهي أو تصورهم أن الدولة لا تكون للمسلمين ، أو توهمهم أن الكافرين لا يغلبون والآيات الآتية من المجموعة تعالج ذلك كله.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي حلف المنافقون بالله جهد اليمين ، ووصفت أيمانهم بذلك لأنهم يبذلون فيها مجهودهم ، وذلك يكون إذا بالغ الحالف في اليمين فبلغ غاية شدتها ووكادتها (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) أي حلفوا لئن أمرنا محمد صلىاللهعليهوسلم بالخروج إلى الغزو لنغزون ، أو لئن أمرنا بالخروج من ديارنا لنخرجن (قُلْ لا تُقْسِمُوا) أي لا تحلفوا (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أي طاعة معروفة أمثل بكم وأولى لكم من هذه الأيمان الكاذبة ، أو الذي يطلب منكم طاعة معروفة ، أي معلومة لا يشك فيها ، ولا يرتاب ، كطاعة المخلص من المؤمنين ، لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم ، وقلوبكم على خلافها ، وقيل معناه : طاعتكم طاعة معروفة ، أي قد عرفت طاعتكم إنما هي قول لا فعل معه ، وكلما حلفتم كذبتم ، وفي ذلك إشارة إلى أن من سجيتهم الكذب ، حتى فيما يختارونه ، وقيل معناه : ليكن أمركم طاعة بالمعروف ، من غير حلف ولا أقسام ، كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف ، فكونوا أنتم مثلهم (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي هو خبير بكم ، وبمن يطيع ممن يعصي ، فالحلف وإظهار الطاعة والباطن بخلافه وإن راج على المخلوق ، فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى ، لا يروج عليه شىء من التدليس ، بل هو خبير بضمائر عباده ، وإن أظهروا خلافها ، وفي ذلك تهديد لهم أن يفضحوا (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) قال ابن كثير : أي اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) يريد فإن تتولوا فما ضررتموه ، وإنما ضررتم أنفسكم ؛ فإن الرسول صلىاللهعليهوسلم ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى ، وكلفه من أداء الرسالة ، فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه ، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان والعمل ، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وعذابه (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) أي وإن أطعتموه فيما يأمركم وينهاكم ، فقد