(والأمر للندب إذ النكاح مندوب إليه) أقول : هناك حالات يكون النكاح فيها واجبا أو مفروضا والمجتمع الإسلامي متضامن متكافل في تحقيق هذا الأمر ، ومن ثم كان عمر ابن عبد العزيز يرسل مناديه ينادي ... أين الناكحون ... حتى أغنى كلا من هؤلاء ، وقد زوج عمر بن الخطاب من بيت مال المسلمين ، ولنا عودة على هذا الموضوع. (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ) من المال (يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) بالكفاية والقناعة (وَاللهُ واسِعٌ) أي غني ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق (عَلِيمٌ) كيف يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أي لا يجدون استطاعة تزوج من المهر والنفقة ، والمعنى وليجتهد هؤلاء في العفة بسلوك طريق ذلك من الصوم والفكر في ملكوت السموات والأرض ، والذكر والبعد عن كل مهيج من رؤية وغيرها (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي حتى يقدرهم على المهر والنفقة.
قال النسفي : (فانظر كيف رتب هذه الأوامر ، فأمر أولا بما يعصم عن الفتنة ، ويبعد عن مواقعة المعصية ، وهو غض البصر ، ثم بالنكاح المحصن للدين ، المغني عن الحرام ، ثم بعفة النفس الأمارة بالسوء ، عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح ، إلى أن تقدر عليه).
(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) أي المكاتبة (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي من مماليككم رجالا كانوا أو نساء (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) أي قدرة على الكسب أو أمانة وديانة (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) قال النسفي : (هذا أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين ، وإعطائهم سهمهم من الزكاة ... وعند الشافعي رحمهالله حطوا من بدل الكتابة ربعا ، وهذا عندنا على وجه الندب ، والكتاب والمكاتبة بمعنى واحد وهو أن يقول لمملوكه : كاتبتك على ألف درهم ، فإن أداها عتق ، ومعناه : كتبت على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال ، وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك ، أو كتبت عليك الوفاء ، وكتبت علي العتق ، ويجوز حالا ومؤجلا ومنجما وغير منجم لإطلاق الأمر) وهل يجب على السيد إذا كان لعبده حيلة أو كسب يستطيع أن يؤدي إلى سيده المال أن يكاتبه سيده أو يندب له؟ قال ابن كثير : (وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد واستحباب ، لا أمر تحتم وإيجاب ... وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عبده ذلك أن يجيبه إلى ما طلب ؛ أخذا بظاهر هذا الأمر) ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد.