وبعد ، فإن المجموعات الثلاث التي مرت معنا في سورة المؤمنون تشكل المقطع الأول من هذه السورة ، وقبل أن نبدأ عرض المقطع الثاني والأخير من السورة فلنذكر كلمة حول المقطع الأول.
كلمة في المقطع الأول :
بشر المقطع الأول أهل الإيمان والعمل الصالح بالجنة ، وعرض خلال ذلك مجموعة الأخلاق والأعمال التي بها استحقوا ذلك ، ثم عرض علينا مظاهر من أفعاله جل جلاله ، تقتضي منا إيمانا وعملا وشكرا ، ثم قص علينا من قصص الأنبياء ما فيه موعظة وتذكير وتحذير ، ثم خاطب الرسل مطالبا إياهم بالعمل الصالح في مقابل أكل الطيبات ، ثم بين لنا أن أمتنا واحدة ، ومن ثم فإن كل مسلم مطالب بالعمل الصالح وأكل الحلال ، ثم أنكر على من تقطع أمر الأنبياء ، ثم بين أن مجرد السعة في الرزق لا تعني رضا الله ؛ إذ رضا الله مرتبط ـ كما مر معنا من قبل ـ بالإيمان والعمل الصالح ، وسار المقطع ، كما رأينا من قبل ـ مفصلا لخمس آيات من سورة البقرة ، حتى وصل السياق إلى ما وصل إليه ، وهو أنه لابد من العمل الصالح ، وإن من يتوهم أن رضوان الله علامته السعة في الدنيا فهو خاطئ ، إن رضوان الله علامته التوفيق إلى العمل الصالح الذي يستحق أهله البشارة ، والذي هو الشكر العملي على إباحة الله للإنسان الطيبات ، وبعد أن تستقر هذه المعاني يأتي المقطع الثاني :
المقطع الثاني
ويمتد من الآية (٥٧) إلى نهاية الآية (١١٨) أي إلى نهاية السورة.
نلاحظ أن المقطع الثاني يتألف من أربع مجموعات ، أو مقدمة ومجموعتين وخاتمة ، المقدمة تتحدث عن الخصائص التي إذا وجدت وجد العمل الصالح ، كما تتحدث عن كون التكليف بالعمل الصالح إنما هو بقدر الطاقة ، ثم تتحدث عن الكافرين وحالهم في الرخاء وأعمالهم ، ثم تأتي مجموعتان ، ثم يختتم المقطع بخاتمة.
ومن هذه الكلمة المختصرة عن المقطع ندرك أن المقطع الثاني على صلة كاملة بالمقطع الأول ، فهو يربي على العمل الصالح ، ويبين مرتكزاته النفسية ، ويعالج موانعه ، وينذر الكافرين الذين لا يؤمنون فيعملون.
ونحن سنعرض المقطع على أنه مجموعات أربع ، ونبين خلال العرض صلة آياته بسياق السورة الخاص والعام.