٥ ـ نلاحظ أن هناك ثمانية آيات من قوله تعالى (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا ....) إلى قوله تعالى (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) وفي سبع آيات منها ورد في كل منها اسمان من أسماء الله الحسنى ، وقد نقل النسفي عن أبي حنيفة رحمهالله : أن اسم الله الأعظم في الآيات الثمانية لذلك يستجاب لقرائها.
٦ ـ عند قوله تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) قال ابن كثير : (يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه ، وأنه محيط بما في السموات وما في الأرض فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها ، وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء» وفي السنن من حديث جماعة من الصحابة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ، قال وما أكتب؟ قال : اكتب ما هو كائن فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة».
أقول : إن قوله قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء يشير إلى أن العرش والماء كانا موجودين ، ولا يفهمن فاهم أن هذا التقدير مستأنف ، فالله علم أزلا وقضى وقدر ولكن الإبراز الأول إلى اللوح المحفوظ كان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ولنلاحظ أن الرقم (خمسين ألف سنة) هو يوم من أيام ربنا كما قال تعالى في سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فالله عزوجل ذكر يوما عنده كألف مما نعد ، وذكر يوما عنده مقداره خمسون ألف سنة ، وكما قلنا من قبل فإن مثل هذه الأرقام في القرآن عن الأيام لا يدرك مدى الإعجاز في ذكرها إلا الإنسان المعاصر ، الذي صار يقيس دورات المجرات بالسنين الضوئية ، وأبعاد ما بين النجوم بمثل هذا ، ويعرف أن أياما في غير هذه الأرض تزيد كثيرا على يوم الأرض.
٧ ـ ونحب قبل أن ننتقل عن هذا المقطع أن نؤكد على معنى هو أنه في هذا المقطع الذي هو أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالإنذار قد عرض الله علينا سنتين : واحدة في قوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ......) والثانية في قوله تعالى (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ