كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وما بين القولين كان المقطع : الذي فيه إنذار وتبشير ، والذي فيه عرض لسنن ، وإقامة حجة على شرائع ، وإنكار على شرك ، وكلها معان تخدم قضية العبادة والتقوى ، والآيات الأخيرة حذرت من الشرك ودلت على خلق من أخلاق أهله إذا أنذروا ، وفي ذلك تحذير للمسلمين العابدين المتقين أن يكون موقفهم ممن يذكرهم يشبه مثل هذا الموقف ، إن المقطع فيه الإنذار الذي يبعث على التقوى ، وفيه التبشير الذي يهيج على التقوى وفيه التعريف على الله ، وهو تعريف يستجيش العواطف نحو عبادته تعالى ، وفيه التذكير بنعم الله ، وهو تذكير يستجيش مشاعر التقوى ، وفيه التعريف على أخلاق للكافرين ، ومواقف لهم تتعارض مع العبادة والتقوى ، وفيه تربية للداعية وتوجيه له وتعليم ، والملاحظ أن الآية قبل الأخيرة هي : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ......) ولذلك صلته بمحور السورة الذي هو قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لقد بين الله عزوجل في هذا المقطع ما يلزم لإقامة العبادة والتقوى ، ولكن مع هذا كله يوجد من يعبد غيره بلا دليل من العقل ، ولا من النقل ، ومع أنهم كذلك فإنهم يكادون يسطون بالذين يدعونهم إلى ما يقوم عليه دليل العقل والنقل. وفي المقطع شىء آخر له علاقة في السياق : عند ما قال الله في سورة البقرة (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أتبع ذلك بتعريفنا عليه فقال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وفي هذا المقطع ذكرنا الله بكل هذه الحقائق الواردة هناك : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ.) مما يدل على أن ذكر الآيات هنا يخدم سياق الأمر بالعبادة والتقوى ، كما أن تلك الآيات تخدم ذلك ، ومما يدل على أن هذا المقطع يصب على الشىء نفسه الذي تصب عليه السورة كلها (التقوى). وقد آن الأوان لنذكر بأخطر قضية نواجهها في عصرنا قضية منع الناس من الحج من قبل الحكومات الظالمة ، فلقد رأينا في هذا المقطع أنه بعد الآيات التي لفتت النظر إلى نعم الله جاء قوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ .......) وهذا أفاد ما أفاد مما