والديانة اليهودية ، ثم المسيحية من أقرب الديانات إلينا ، وقد عاشتا زمنا طويلا في عصر التاريخ والعلم ، وعني بهما المؤرخون والمؤلفون ولا تزالان ديانتي أمتين كبيرتين نشيطتين في الثقافة والتأليف والسياسة ، والبيت المقدس وما حوله من آثار ومشاهد ملتقى هاتين الديانتين ، ومركزهما الروحي الأصيل ، والحج إليه قديم وأصيل عندهما ، ولكن لا يزال هذا الركن الديني الكبير يكتنفه الشىء الكثير من الغموض والاضطراب ، وقلة المعلومات ، (إذا قارنا ذلك بالحج الإسلامي ، الذي تشغل مناسكه وأحكامه وتفاصيله مكتبة واسعة هائلة ، وهو مدون تدوينا لا يجد فيه الباحث عناء). وهذه خلاصة ما جاء في «دائرة المعارف اليهودية» المجلد العاشر (١) :
«إن الحج إلى بيت المقدس الذي كان يدعى بالزيارة (RE YIAH) يؤدى في زمن ثلاثة أعياد (وهي عيد الحصاد (٢) وعيد الفصح (اليهودي) وعيد المظال ، وكان الحج فريضة على جميع اليهود ، باستثناء الصغار الذين لم يبلغوا الحلم ، والإناث ، والعميان ، والعرج ، والضعفاء المصابين بأمراض بدنية أو عقلية ، وكانت الشريعة الموسوية توجب على كل حاج أو زائر) أن يأخذ معه (تقدمة للرب) ، ولكنها لم تعين المقدار ، وكان رغم إعفاء الإناث والصغار عن الزيارة ، كان يؤمه عدد كبير منهم من الأزواج والآباء كما هو الشأن في الأسواق العامة ، ولا تخلو الروايات التي وردت عن عدد الزائرين في أزمنة مختلفة من المبالغة (٣) ، وكانت الخرفان تذبح في عدد كبير ، وكانت جلود الذبائح تقدم إلى حراس الخانات الذين كانوا يقومون بخدمة الزوار وأيوائهم من غير مقابل.
ولم تنقطع عبادة الحج بعد تدمير (المعبد) أيضا ، ولما فتح المسلمون بيت المقدس بقيادة صلاح الدين عام ١١٨٧ م ، تسنى لليهود القاطنين في المنطقة الشرقية أن يزوروا بيت المقدس ، وما عداه من الأمكنة المقدسة (بين دمشق ، وبابل ، ومصر) وقد اعتاد
__________________
(١) جيوش انسائكلوبيديا (Jewish Encyclopaedia ـ Vol ـ See Pilgrimage)
(٢) جاء في دائرة المعارف اليهودية تحت عنوان عيد الحصاد ، وهو من أعياد الحج الثلاثة التي كان جميع الذكور مكلفين فيه بالحضور في بيت المقدس ، اقرأ عنوان :(Pentecos).
(٣) منها ، ما قيل أنه بلغ عدد الخرفان المذبوحة ، في عام بين ٦٣ ـ ٦٦ م إلى ٥٠٠ ر ٢٥٦ ، فإذا فرض أن خروفا كان يساهم فيه عشرة رجال من الحجاج يبلغ عددهم إلى أكثر من مليونين ونصف حاج ، أو زائر ، ويذكر مصدر يهودي أنه بلغ عدد الخراف إلى ١٢٠٠٠٠ خروفا ، وقد اعترف كاتب المقال في (دائرة المعارف) بأنه لا يخلو من المبالغة.