(ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أي عاقبتهم على كفرهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم ، وتغييري بهم ، حيث أبدلتهم بالنعم نقما ، وبالحياة هلاكا وبالعمارة خرابا (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أي كم من قرية أهلكناها (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي والحال أنها ظالمة ، أي أهلها مشركون مكذبون للرسل (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي فهي ساقطة على سقوفها ، أي قد خربت منازلها حتى إن السقوف ساقطة ، والجدران سقطت بعد على هذه السقوف لهلاك الجميع ، قال النسفي : أي خرت سقوفها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) أي متروكة لفقد دلوها ورشائها ، وفقد تفقدها ، أو هي عامرة فيها الماء ، وعندها آلات الاستقاء ، إلا أنها عطلت ، أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أي منيف ، مرتفع منيع حصين مزخرف ، والمعنى : كم من قرية أهلكناها ، وكم من بئر عطلناها عن سقاتها ، وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ، أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعا ، فخلت القصور عن أربابها ، والآبار عن ورادها ، بسبب التكذيب والظلم فليحذر المكذبون.
كلمة في السياق :
ما الصلة بين هاتين الآيتين وما قبلهما؟ إن هاتين الآيتين تتحدثان عن نوع آخر من النصر الذي ينصر الله به رسله ، وهو الأخذ المباشر من الله عزوجل ، فإذا كان الله ينصر رسله وأولياءه في الآخرة ، وإذا كان ينصرهم في الدنيا إذا قاتلوا ، فإنه ينصرهم كذلك بأن يعذب أعداءهم بعذاب منه تعالى ، وإذ يقرر الله عزوجل هذا النوع من النصر يلفت نظر الكافرين إليه:.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) قال ابن كثير : أي بأبدانهم وبفكرهم أيضا وقال النسفي : هذا حث على السفر ، ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ، ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) أي يعقلون ما يجب أن يعقل من أسباب ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال ؛ فيعرفون أن سبب ذلك التكذيب والشرك (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) حقائق الوقائع فيعتبرون (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) أي ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، فإنه وإن كانت القوة الباصرة سليمة ، فإنها لا تنفذ إلى العبر ، ولا تدري