وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه ، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه.)
التفسير :
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه ، وأنابوا إليه شر الأشرار ، وكيد الفجار ، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) في أمانة (كَفُورٍ) لنعمة الله ، أي لا يحب من عباده من اتصف بالخيانة في العهود والمواثيق والأمانات ، ومن اتصف بالجحود للنعم ، والآية قسمها الأخير تعليل لقسمها الأول والمعنى : إن الله يدافع عن الذين آمنوا لأنه لا يحب أضدادهم وهم الخونة الكفرة الذين يخونون الله والرسول ، ويخونون أماناتهم ، ويكفرون نعم الله ، ويغمطونها وهذه الآية مقدمة للإذن في القتال ، فهي وعد من الله أن يدافع عن المؤمنين ؛ فليقاتلوا وفي قوله : لا يحب كل خوان كفور تعليل للأمر بالقتال ، وتطمين للمؤمنين في أن الله معهم ، وفي الآية تحذير من الكفر والخيانة وصيغة (يُدافِعُ) تعني الغاية في الدفاع عنهم مما يجعل المسلم في أعلى درجات الاطمئنان وبعد هذه المقدمة يأتي الإذن بالقتال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) أي أذن لهم في القتال وحذف المأذون فيه لدلالة (يُقاتَلُونَ) عليه (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي بسبب كونهم مظلومين (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ) أي على نصر المؤمنين (لَقَدِيرٌ) أي لقادر وهو بشارة للمؤمنين بالنصرة ، قال ابن كثير فيها : أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته ...... وإنما شرع الله تعالى الجهاد في الوقت الأليق به ؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا ، فلو أمر المسلمون ـ وهم أقل من العشر ـ بقتال الباقين لشق عليهم ، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانوا نيفا وثمانين قالوا : يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي ـ يعنون أهل منى ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني لم أومر بهذا» فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلىاللهعليهوسلم من بين أظهرهم ، وهموا بقتله ، وشردوا أصحابه شذر مذر ، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة ، وآخرون إلى المدينة ، فلما استقروا بالمدينة وافاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واجتمعوا عليه ، وقاموا بنصره ، وصارت لهم دار إسلام ، ومعقلا يلجؤون إليه ، شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك فقال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ