يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٦) وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً
____________________________________
الضمير عائدا إلى الحكمين فإن أرادا إصلاح شأن الزوجين وكان ذلك من نيتهما لا ميل كل واحد لجانب (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) ويجمع رأيهما على الصواب (إِنَّ اللهَ كانَ) ولا يزال (عَلِيماً) بحقائق الأمور وحكمتها (خَبِيراً) بالسرائر والنيات. ثم شاء الله ان يواصل لطفه على الإنسان بهدايته إلى اسباب السعادة وصالح الأعمال ومكارم الأخلاق وحسن السلوك في الحياة الدنيا والقيام بحقوق النوع. وصدّر ذلك بأفضل الأوامر وأساس النجاة وروح الصلاح وجامع الهدى فقال جلت آلاؤه ٣٦ (وَاعْبُدُوا اللهَ) إلهكم يا أيها الناس (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ) في العبادة (شَيْئاً) وهذا النهي بمنزلة التفسير للأمر المعطوف عليه فإن عبادة الله لا تستقيم لها حقيقة مع الإشراك به في العبادة وقد تقدم بعض البيان لمعنى العبادة في الجزء الأول ص ٥٧ حتى ٥٩ وحاصل الأمر هنا استشعروا مظاهر الخضوع لله إلهكم بالخضوع الذي يوفى به حق امتياز الله إله العالمين بالإلهية. ويقرب ان ينظر في معنى العبادة إلى طاعة الله إله العالمين في أوامره ونواهيه باعتبار الخضوع لمقام إلهيته بالطاعة والإذعان لان الطاعة هي باب السعادة في الدارين وينظر بالشرك هنا الى ما يعم مخالفة الله بالاتباع للهوى والانقياد للشيطان فإن ذلك وإن لم يوجب منه محض المعاصي في الأعمال كفرا وخروجا عن الدين لكنه خلل في حق الخضوع لله ومقام إلهيته على حد قوله في سورة يس (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي أحسنوا إحسانا نائب عن فعله في الدلالة على الأمر والتأكيد في الإغراء بالإحسان يقال احسن اليه وأحسن به كما يقال أساء اليه وأساء به كما في قول كثير : ـ
اسيئي بنا او احسني لا ملومة |
|
لدينا ولا مقلية ان تقلت |
وقد تكرر قوله تعالى في الوصية بالوالدين (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) كما في سورة البقرة ٨١ والأنعام ١٥٠ والاسراء ٢٢. وإن قول القائل احسن به وبالوالدين إحسانا يدل على دوام الإحسان وعدم الإساءة. وذلك لأن معناه جعل فعله به حسنا وإحسانا ومعنى الآية وأحسنوا بالوالدين فعلكم معهم. وهذا الوجه ظاهر من شعر كثير وان كان في استعمال