واختلف العلماء فيمن دان من المشركين بدين أهل الكتاب بعد المنهب (١) ، وظاهر القرآن يقتضي القبول لأنهم من أهل الكتاب.
وكما ليس في القرآن بيان مقدار الجزية المؤداة ، فليس فيه بيان مدة أداء الجزية ، وتكررها بتكرر الحول ، وإنما فيه بيان أن الجزية ينتهي بها وجوب المقاتلة ، والظاهر يقتضي وجوبها مرة واحدة.
وأبو حنيفة لا يرى تعدد وجوبها بتكرر الحول ، بل يقول : إنهم يقاتلون إلى أن يؤدوا الجزية ، إلا أنها تؤخذ منهم عند انفصال السنة ، ولا ذكر لذلك في القرآن.
ويدل قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).
على أن بالإسلام يزول هذا المعنى ، فلا جرم لا خلاف أنهم إذا أسلموا فلا يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون.
والشافعي لا يأخذ بعد الإسلام على الوجه الذي قاله الله تعالى ، وإنما يقول : الجزية دين ، وجب عليه بسبب سابق ، وهو السكنى أو لدفع شر القتل ، فصار كالديون كلها ، فإذا ثبت للشافعي أنها دين ، فإنها لا تسقط ، وإذا كان وجوب الدية على نحو وجوب الديون ، وفيها غرض ، وهو دفع القتل ، فهي طاعة مأمور بها ، والذمي قد أطاع الله تعالى بدفعها ، إلا أن ثواب طاعته محبط ، كثواب الطاعات كلها ، فهذا تمام ما أردنا بيانه.
وأبو حنيفة لا يرى الجزية واجبة على الذمي طاعة ، بل يقول يقام عليه إضجارا له واتعابا ، وذلك لا يكون طاعة في حقه ، وإنما هي طاعة في حقنا ، فأما في حق الدافع فلا ، فهم إذا امتنعوا من الجزية وجب
__________________
(١) وردت ـ المتعب ـ في نسخة أخرى.