روى أبو نضرة (١) عن أبي سعيد ، أن ذلك إنما كان يوم بدر ، وقال أبو نضرة : لأنهم لو انحازوا يومئذ ، لانحازوا إلى المشركين ، ولم يكن يومئذ مسلم غيرهم.
وهذا الذي قاله أبو نضرة فيه نظر ، لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخروج ، ولم يكونوا يرون أنه يكون قتال ، وإنما ظنوا أنها العير ، فخرجوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيمن خف معه.
فقول أبي نضرة إنه لم يكن هناك مسلم ، وإنهم لو انحازوا انحازوا إلى المشركين ، غلط لما بيناه.
وقد قيل : إنه لم يجز لهم الانحياز يومئذ ، لأنهم كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلم يكن الانحياز جائزا لهم ، قال الله تعالى :
(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ)(٢).
فلم يكن لهم أن يسلموا نبيهم ، وإن تكفل الله بنصرته وعصمته من الناس ، كما قال تعالى :
(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(٣).
فكان ذلك فرضا عليهم ، قلّ أعداؤه أو كثروا ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فئة المسلمين يومئذ ، ومن كان ينحاز عن القتال ، فإنما كان ينحاز إلى فئة ، وما كان للمسلمين فئة غير رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
__________________
(١) هو المنذر بن مالك أبو نضرة العبدي.
(٢) سورة التوبة آية ١٢٠.
(٣) سورة المائدة آية ٦٧.