فندبه الله تعالى إلى أخذ المال إذا تسهل ذلك من جهة القاتل ، وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة ، كما قال عند ذكر القصاص في سورة المائدة ، (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ)(١) ، فندبه إلى العفو والصدقة ، وكذلك ندبه بما ذكر في هذه الآية إلى قبول الدية إذا بذلها الجاني ، لأنه بدأ بذكر عفو الجاني بإعطاء الدية ، ثم أمر الولي بالاتباع ، وأمر الجاني بالأداء بإحسان.
وهذا خلاف الظاهر من وجهين :
أحدهما : أن العفو بعد القصاص يقتضي العفو عنه من مستحقه بإسقاطه.
والثاني : أن الضمير في «له» يجب أن ينصرف إلى من عليه القصاص ، لأنه الذي تقدم ذكره في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ، والولي لا ذكر له فيما تقدم حتى ينصرف الضمير إليه ، إلا أنه يستظهر بظاهر قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) وذلك يدل على أن القصاص هو المكتوب دون غيره ..
التأويل الثاني : ما قاله ابن عباس قال : كان القصاص في بني إسرائيل ولم يكن فيهم الدية ، فقال الله تعالى لهذه الأمة : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) إلى قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ..
قال ابن عباس : فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) قال : على هذا أن يتبع بالمعروف ، وعلى هذا أن يؤدي بإحسان ، (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) فيما
__________________
(١) سورة المائدة آية ٤٥.