فأما ما أجزناه من حذف الحال فى قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(١) ، أي : فمن شهده صحيحا بالغا ، فطريقه : أنه لما دلّت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفا.
وأما إذا عرّيت الحال من هذه القرينة ، وتجرد الأمر دونها ، لما جاء حذف الحال على وجه.
وحكى سيبويه : سير عليه ليل ، وهم يريدون : ليل طويل ، وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دلّ من الحال على موضعها ، وذلك أنك تحس فى كلام القائل لذلك من التّطويح والتّطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقامه قوله : «طويل» / ونحو ذلك ، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته ، وذلك أن يكون فى مدح ، فتقول : كان والله رجلا ، فتزيد فى قوة اللفظ «بالله» هذه الكلمة ، وتمكن فى تمطيط اللام وإطالة الصوت عليها ، أي : رجلا فاضلا شجاعا ، أو كريما ، أو نحو ذلك ؛ وكذلك تقول : سألناه فوجدناه إنسانا ، وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه ؛ فتستغنى بذلك عن وصفه ، وتريد : إنسانا سمحا ، أو جوادا ، أو نحو ذلك ؛ وكذلك إن ذممته ووصفته بالضّيق ، قلت : سألناه وكان إنسانا. وتزوّى وجهك وتقطّبه ، فيغنى عن ذلك قولك : إنسانا لئيما ، أو بخيلا ، أو نحو ذلك. فعلى هذا وما يجرى مجراه تحذف الصفة.
فأمّا إن عرّيت من الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا يجوز ، ألا تراك لو قلت : وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل ، أو رأينا بستانا ،
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.