وكان القرآن كتاب
المسلمين الذي يجمع لهم عقيدتهم في طهر ونقاء.
وكان القرآن كتاب
العرب الذي يجمع لهم لسانهم في بيان معجز.
وكان بهذين شغل
المسلمين الشاغل ، إنكفأوا عليه يستنبطون منه ما يمس العقيدة وما يمس اللغة ،
وكانت لهم في ظل هذين علوم كثيرة دينية ولغوية.
وكان النحو عماد
هذه العلوم كلها ، نشأ في ظل علم التفسير ، الذي كان أول علم قرآني ، وما نظن
النحو تخلف عنه كثيرا ، بل قد يعد النحو أسبق من التفسير ، إذا نظرنا إليهما علمين
لا محاولتين.
فلقد نشأ التفسير
محاولات مع الخلفاء الراشدين ونفر من الصحابة منهم ابن عباس وأنس بن مالك وزيد بن
ثابت ، وكان آخرهم وفاة عبد الله بن الزبير الذي كانت وفاته سنة ٧٣ ه. ولقد قضوا
هؤلاء جميعا نحبهم ولم يكن التفسير قد استوى علما ولم يتم له ذلك إلّا مع أوائل
القرن الثاني الهجري.
على حين أخذ النحو
يبرز إلى الحياة علما أيام أبي الأسود الدؤلي الذي كانت وفاته سنة ٦٩ ه. وإذا كان
علم النحو هو عماد العلوم القرآنية ، فالإعراب هو خلاصته ، لا يملك زمام النحو
متعلم إلّا إذا ملك الإعراب ، وإلّا وقف عند حد الاستظهار ولم يتجاوزه إلى التطبيق
الذي هو ثمرة العلم. والعيب الذي لحق هذا الفن الإعرابي من الإسراف فيه لا يصح أن
يفوق الأخذ به ، فمع كل تطبيق إسراف. ولولا هذا الإسراف لم يكن هذا الذي مكث مما
ينفع الناس.
والناس مع الجهل
والتخلف أضيق ما يكونون بما يردهم عن خطأ ويبصرهم بصواب ، من أجل ذلك عاشت فنون
الكلام كلها عصر التخلف تعاني أزمات جساما ، وكنا على الطريق بعلومنا كمن يحمل
أثقالا ، كلما أحس كلالا ألقى بثقل ، حتى إذا ما أدرك آخر المطاف لم يجد مما يحمل
شيئا.
وهكذا كنا حين
أدركت البلبلة ألسنتنا وتورطنا في جهالة أخذنا نلقي عن كواهلنا علوم العربية علما
علما ، فحذفنا من مناهجنا البلاغة ، وخطونا إلى النحو نمحوه ، وكدنا بعده نخطو إلى
اللغة نزيفها لولا رحمة من الله ردت الناس من غي إلى رشد.
(٣)
إعراب القرآن
وهذا الفن
الإعرابي الذي نشأ مع النحو وفي جملته أخذ يستقل ، وكان استقلاله في
ظل القرآن كما أرى
، تناوله أولا نحويون بنوا استشهادهم على القرآن في الأكثر ، وذلك مثل ما فعل
سيبويه في كتابه ، ثم أخذ إعراب القرآن يخلص وحده ويكون غرضا بذاته ، وكان أول من
صنف