بأسطر. فلقد نظر
إليه قارئا ونظرت إليه محققا ، وإذا هان على القارئ أن ينقطع عليه الكلام ، أو
تضطرب بين يديه الصفحات ، فما أعسرها على المحقق ، لا سيما إذا لم تكن للكتاب
خطيات أخرى تعين.
غير أنها كانت
رغبة من أستاذي ملحة في أن يخرج الكتاب للناس ، فلم أجد بدا من أن أحمل العبء
راضيا.
وما من مرة لقيت
فيها أستاذي إلّا وجدت منه اللهفة إلى أن يرى الكتاب منشورا ، وما من مرة جلست
فيها إليه إلّا وجدته مشوقا إلى أن يراه وقد انتهيت فيه إلى رأي يصحح اسمه ويصحح
نسبته ، وما من مرة تحدثت إليه إلّا وجدته يتمنى أن أبلغ هذا قبل أن يبلغ هو أجله.
ولكن الأجل كان
أسرع إليه ، فلقد اختطفه الموت ـ رحمهالله ـ قبل أن يخرج القسم الأول من هذا الكتاب ، وقبل أن أكتب
في هذا القسم الثالث رأيي في اسم الكتاب واسم صاحبه.
ولئن غاب عنا
الأستاذ عينا فهو حاضر بيننا معنى ، والأيام التي تطوي الآجال ، تنشر لأصحابها
صفحات الأعمال ، والخلود في الوجود للثانية لا للأولى ، وما كانت الأولى غير صور
تتراءى على شاشية الحياة ، ما إن تظهر حتى تختفي ويبقى أثرها الذي خلقته لا يزول.
والميتة ميتة الذكرى التي لا تنعشها أثرى ، والميت من يموت في إثره خبره.
ألا رحم الله
إبراهيم مصطفى ، وأبقى له خير ما عمل.
(٢)
القرآن منبع دين وعلم
حين دعا محمد صلىاللهعليهوسلم قومه إلى التوجه إلى الله وترك الأصنام دعاهم عن وحي من
ربه ، وحين أملى عليهم شريعته أملاها عن وحي من ربه. وكان هذا الكتاب المنزل حجة
الله على الناس ، يؤيد حقه صدق الرسالة ، ويزكي بيانه صدق الداعي.
ووعت هذا الكتاب
صدور المسلمين عند ما وعته الصحف والرقاع ؛ وحين كانت الحافزة إلى جمعه في تدوينه
عهد أبي بكر لم يشق على المسلمين ما أخذوا فيه ، فلقد كانت صدورهم له واعية والصحف
لا تزال ندية لم يجف مدادها.
واستوى للمسلمين
مصحفهم الجامع أيام عثمان ، واجتمعوا عليه قاطبة يتدارسونه ليقربوا إلى معانيه
وأسلوبه شعوبا لم تكن لها عربية الأمة التي نزل القرآن بلسانها.