الحادي والثلاثون
باب ما جاء في التنزيل من حذف «أن» وحذف المصادر ،
والفصل بين الصلة والموصول
وهو من باب لطائف الصّناعة ، لأنهم زعموا أنّ «أن» موصولة ، وحذف الموصول وإبقاء صلته منكر عندهم ، ومع ذلك فقد جاء في التنزيل.
فمن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) (١). قالوا : التّقدير : بأن لا تعبدوا إلا الله ، فلما حذفت «أن» عادت «النون».
وكذلك قوله : (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) (٢). تقديره : / بأن لا تسفكوا دماءكم ، فحذف «أن» وعادت «النون».
قالوا : ومثله قولهم : «تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه (٣)» أي : أن تسمع.
ومن ذلك قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ) (٤) ، أي : بعد إيمانهم أن شهدوا ، فحذفت «أن» ليصح عطفه على «إيمانهم».
وإن شئت كان التقدير : بعد أن آمنوا وشهدوا ، فتضع المصدر موضع «أن» ليصحّ عطف «شهدوا» عليه.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) (٥) فيمن قرأ بالياء ، أي : أن سبقوا ، ليصح قيامه مقام المفعولين.
__________________
(١) البقرة : ٨٣.
(٢) البقرة : ٨٤.
(٣) هذا مثل ، يضرب لمن خبره خير من مرآه. (مجمع الأمثال ١ : ١١٣).
(٤) آل عمران : ٨٦.
(٥) الأنفال : ٥٩.