٢ ـ رأينا في الفائدة السابقة كيف أن الخرافات دخلت إلى كتبنا من خلال روايات موجودة عند أهل الكتاب تليق بباطلهم ، ولا تليق بحقّنا. وفي سبب تسمية ذي القرنين ، وفي زمانه ، وفي عمله ، وفي أفعاله ، وفي صفات الأقوام الذين رآهم ، وغير ذلك أقاويل ليس لها أي سند يمكن الاتكاء عليه. وقد نقل ابن كثير بعضها وأنكره ، وأنكر على من نقله. ونقل بعضها فلم ينكره ، مع أن مجرد ذكره من غير أصل يمكن الاتكاء عليه ، فيه بعد عن الروح الإسلامية المستمدة من قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فمما يذكره ولا ينكره : وأنّ الخضر كان وزيرا لذي القرنين ، أن ذا القرنين طاف بالكعبة مع إبراهيم ، ونحن ننكر ذلك أشد الإنكار ، لأن تحديد زمن لم يحدده الله ، عن الأنبياء وأحوالهم لا يكفي فيه قول القصاصين.
٣ ـ يظن بعض الناس أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني تلميذ أرسطاطاليس ، وينفي ابن كثير ، وكثيرون من المفسرين ، أن يكون المراد به هذا. لأن هذا وثني ، وذاك رجل صالح ، والذي أوصل إلى هذا اللبس كون الإسكندر المقدوني له فتوحاته الكثيرة في المشرق والمغرب ، مما جعل الألوسي يرجّح أنه هو ذو القرنين ، ويحتمل أن التآريخ ذكرت وثنيته أو كفره خطأ.
٤ ـ يرجح ابن كثير أن سبب تسمية ذي القرنين بهذا الاسم هو بلوغه المشارق والمغارب. لأن العرب تسمي مشرق الشمس قرنها.
٥ ـ وكما أحاطت خرافات القصاصين وأهل الكتاب بقصة ذي القرنين ، فقد أصابت كذلك موضوع يأجوج ومأجوج ، سواء أصلهم ، أو من هم ، أو ما هي أوصافهم ، وبعد أن ينقل ابن كثير واحدة من هذه الخرافات يقول : وهذا قول غريب جدا ، ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل ، ولا يجوز الاعتماد ههنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب ؛ لما عندهم من الأحاديث المفتعلة ، والذى نلخصه في هذا الموضوع ما يلي :
١ ـ أن يأجوج ومأجوج من أبناء آدم ، وأنهم يشكلون أكثرية بالنسبة لأهل الأرض في كل العصور. كما رأينا في الحديث الصحيح الذي ذكرناه في صلب التفسير.
٢ ـ قال ابن كثير : وفى مسند الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ولد نوح ثلاثة : سام أبو العرب. وحام أبو السودان. ويافث أبو الترك» قال بعض