فعرفت أن الوحي يأتي للأنبياء من الله أيقاظا ونياما فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «تنام عيناي وقلبي يقظان». فالله أعلم أيّ ذلك كان قد جاءه ، وعاين من الله فيه ما عاين على أي حالاته كان نائما أو يقظا ، كل ذلك حق وصدق. انتهى كلام ابن إسحاق وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير في تفسيره بالرد والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن ، وذكر من الأدلة على رده بعض ما تقدم والله أعلم.
(فائدة حسنة جليلة) روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب (دلائل النبوة) من طريق محمد بن عمر الواقدي ، حدثني مالك بن أبي الرجال عن عمرو بن عبد الله ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم دحية بن خليفة إلى قيصر ، فذكر وروده عليه وقدومه إليه. وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل. ثم استدعى من بالشام من التجار ، فجىء بأبي سفيان صخر بن حرب وأصحابه ، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلّم ، كما سيأتي بيانه ، وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقر أمره ويصغره عنده. قال في هذا السياق عن أبي سفيان : والله ما منعني أن أقول عليه قولا أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عليّ ، ولا يصدقني في شىء قال : حتى ذكرت قوله ليلة أسري به ، قال : فقلت : أيها الملك ألا أخبرك خبرا تعرف أنه قد كذب؟ قال : وما هو؟ قال : قلت : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة ، فجاء مسجدكم إيليا ، ورجع تلك الليلة قبل الصباح ، قال : وبطريق إيليا عند رأس قيصر فقال بطريق إيليا : قد علمت تلك الليلة ، قال : فنظر قيصر وما علمك بهذا؟ قال : إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد ، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني ، فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم ، فعالجته فغلبنا فلم نستطع أن نحركه ، كأنما نزاول به جبلا ، فدعوت إليه النجاجرة فنظروا إليه فقالوا : إن هذا الباب سقط عليه النجاف (١) والبنيان ، ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح ، فننظر من أين أتى. قال : فرجعت وتركت البابين مفتوحين. فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب ، وإذا فيه أثر مربط لدابة قال : فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي ، وقد صلّى الليلة في مسجدنا. وذكر تمام الحديث.
__________________
(١) ـ النجاف : أعلى الباب.