نجد يوسف وهو يواجه ـ للمرة الأولى ـ إخوته بعد ما فعلوا به تلك الفعلة القديمة ؛ وهو في الموقف الأعلى ـ بالقياس إليهم ـ والأقوى .. ولكننا نجد سمة الضبط واضحة في انفعالاته وتصرفاته.
ونجده وهو يدبر ـ بتدبير الله له ـ كيف يأخذ أخاه. فنلمح الشخصية الناضجة الواعية الحكيمة المطمئنة ، الضابطة الصابرة.
ثم نلتقي به وقد استوفت المحنة بيعقوب أجلها ، وقدر الله أن تنقضي الابتلاءات التي نزلت به وببنيه ، وحن يوسف إلى أبويه وأهله ، ورق لإخوته والضر بادبهم ، فكشف لهم عن نفسه في عتاب رقيق ، وفي عفو كريم ، يجىء في أوانه ، وكل الملابسات توحي به ، وتتوقعه من هذه الشخصية بسماتها تلك.
وفي النهاية يجىء ذلك الموقف الجليل الرائع .... موقف اللقاء الجامع ويوسف في أوج سلطانه ، وأوج تأويل رؤياه وتحقق أحلامه .. وإذا به ينسلخ من هذا كله وينتحي جانبا ينفرد بربه ، ويناجيه خالصا له ، وذلك كله مطروح وراءه : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ. فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ. تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) إنها شخصية موحدة متكاملة ، بكل واقعيتها الممثلة لمقوماتها الواقعية في نشأتها وبيئتها.
ويعقوب .. الوالد المحب الملهوف ، والنبي المطمئن الموصول ، وهو يواجه بالاستبشار والخوف معا تلك الرؤيا الواعدة التي رآها يوسف ، وهو يرى فيها بشائر مستقبل مرموق ، بينما هو يتوجس خيفة من الشيطان وفعله في نفوس بنيه. فتتجلى شخصيته بواقعيتها الكاملة في كل جوانبها.
... ثم نجد هذه الشخصية كذلك بكل واقعيتها البشرية النبوية ، وبنوه يراودونه عن يوسف ثم وهم يفاجئونه بالفجيعة.
.... ثم نلتقي بهذه الشخصية ـ بكل واقعيتها تلك ـ وبنوه يراودونه مرة أخرى على السلوة الباقية له .. أخي يوسف .. وقد طلبه منهم عزيز مصر ـ يوسف ـ الذي لا يعرفونه في مقابل أن يعطيهم كيلا يقتاتون به في السنوات العجاف.
.... ثم نلتقي به في فجيعته الثانية ، والدا ملهوفا ونبيا موصولا .. ذلك بعد أن دبر الله